المعرفة

الفوارق المنهجية بين طريقة أهل السنة في المعرفة وطريقة الفلاسفة والمتكلمين

من الفوارق المنهجية بين طريقة أهل السنة في المعرفة وطريقة الفلاسفة والمتكلمين:
● أن أهل السنة يبدأون في معرفة الحق ثم يعرفون الباطل بأنه يخالف الحق وينطلقون من اليقين الى اليقين.
● وأما الفلاسفة والمتكلمين فيعرفون الباطل أولا ثم يعرفون الحق (بزعمهم)، ومثال ذلك أن الغالب والأصل في أدلتهم أنهم ينطلقون من معرفة الامتناع إلى معرفة الوجوب.
فتجد كثير من براهينهم مبنية على الحصر العقلي لكل الاحتمالات ثم إبطالها كلها مع إبقاء واحد يعرف وجوبه اذا امتنع كل ما يناقضه، ينطلقون من الشك إلى اليقين (بزعمهم)
فمثلا يبطلون التسلسل ثم يثبتون وجوب وجود الله.
بينما أهل السنة يعرفون وجود الله فطرة وبداهة وشرعا ويبطلون التسلسل ضرورة انتهاء كل المخلوقات إلى أفعاله سبحانه ولأنه الأول سبحانه، فتكون أدلة أهل السنة أدلة إيجابية وليست موقفا مضادا وهروبا من الامتناع والشناعات إلى أقوال أخرى مستحدثة.
فأهل السنة ينطلقون من معرفة الوجوب إلى الامتناع، ينطلقون من معرفة ما يوجبه العقل السليم والشرع المنزل ويجدونه ضرورة فطرية ودينية في نفوسهم إلى تعيين الحق وتعيين الباطل على أنه ما يخالف الحق بمعايير معرفية شرعية وعقلية إيجابية متحصلة في نفوسهم ينطلقون منها، فموقفهم ثابت منذ البداية مطرد وهو حق في نفسه يميزون من خلاله الباطل، بعكس المتكلمين الذين يستحدثون عقائدهم هربا من الزامات الخصوم في المناظرات وتبعا لذلك.


هامش—

وقد يقال هنا أن الفلاسفة ليسوا على مذهب واحد فكيف تنسب لهم أقوالًا معينة؟!
بل منهم من يقول بمقالات شبيهة جدا بمقالة أهل السنة في الفطرة أو السوية العقلية سواء طابقتها أم لا وانظر مثلا في فلسفة ألفين بلانتينجا أو توماس ريد أو الفلاسفة الذين دافعوا عما يسمى موقف “الرجل العادي” أو “الحس المشترك” (الإجماع الإنساني) الخ..
فأقول: أنا لا أنسب قولا لفيلسوف معين، بل أقول إن طريقة التفكير الفلسفي في حد ذاتها إن لم يكن ضابطها العقل الفطري الصريح ابتداء (من قبل وضع النظرية أساسا) ولا نور الشرع فحتما هي من حيث الأصل تجيز النظر في الوجود بلا حد ولا قيد والنظر في المعرفة ومسائلتها بلا حد ولا قيد فليس فيها من حيث هي فلسفة عامة دون النزول تحت مذهب معين أي حدود للشك والنظر الفاحش، وإنما القيود التي تتقيد بها تختارها ضمن فلسفة معينة وما إن اعترفت أن هذه الفلسفة قسيمة لسائر الفلسفات تحت نفس الصنعة فأنت مطالب بالبرهنة عليها ورد جميع الاعتراضات عليها وكأنها برمتها مسألة نظرية (أي تصبح جميع المسائل المعرفية عندك بضرورياتها ونظرياتها) مسائل نظرية خاضعة للدليلية والتسلسل في الاستدلال وما إن زعمت الضرورة في شيء إلا وحق لخصمك أن يزعم خفائها أو الحق في مخالفتها وإن زعمت أنه يكابر الفطرة أو أن كلامه يغني حكايته عن إبطاله أو كلامك تغني حكايته عن إثباته إلا اتهمك أنك دوغمائي تؤمن إيمان السفهاء ولست أهلا لمسمى فيلسوف وطريقتك طريقة العوام، تهرب من تحمل عبئ الاثبات إلى دعوى خرافية أن هناك فطرة وبديهيات، ولست محترما داخل الصنعة بصينعك هذا ابدا ولو اعتبرت فلسفتك شيء فهي رأي محض لا فضل له على غيره وهو نظريتك أنت وحسب، إذ الطريقة الفلسفية العامة ليس فيها شيء يحجزه، فليس فيها ما يرفع الضرورات عن المسائلة والتشكيك ولا ما يحجزهم عن النظر في الغيوب المحضة من صنعة تعريفها النظر في المعرفة والوجود.
ولا ترجيح إذا لنظرية على نظرية بمعايير متعالية على النظريتين إلا أن تكون نظرية ثالثة متكافئة معهم من حيث كونها كذلك مفتقرة لأن لا يتم التدليل على صحتها من معايير هي جزء منها أساسًا.
لذلك فهذا المعنى للتفلسف وهو ما درج عليه الفلاسفة منذ العصر اليوناني مرفوض عندنا بالكلية وهو تنطع فاحش وسؤال مذموم وجدل بيزنطي ولو كان بعض أسئلته حق في نفسها أو بعض المذاهب فيها أصابت الحق.
أما إن قصدت بالتفلسف مطلق النظر العقلي السليم ووضع النظريات بمعنى ثمرة السبر والتقسيم ووضع المسائل العقلية في موضعها الصحيح والتفريع عليها ووضع الاصطلاحات المعبرة عنها والمناهج الصحيحة في كل علم بحسبه فهذا هو العمل العقلي الطبيعي للانسان ونحن نخالف في تسميته بالتفلسف ولو قيل أنه خلاف لفظي لقيل الأولى ترك هذا الاسم المجمل إلى أصل لغوي سليم لكن من حيث المعاني فنعم هو خلاف لفظي إذا.
#الغيث_الشامي

الغيث الشامي (أبو عبادة)

أبو عبادة، أثري، دمشقي، شغوف بعلوم الاعتقاد، مهتم بنقد الفلسفات

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button