العقيدة

بين الجهمية القدماء والمجدد سعيد فودة!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حاكيًا تلاعب المعتزلة بالعوام حيث يقول:
“وهم يموهون على الناس فيقولون: «أجمع المسلمون على أن الله متكلم»، [وربما قالوا: «أجمع المسلمون على أن الله متكلم حقيقة]، ولكن اختلفوا في معنى «المتكلم»: هل هو من فعل الكلام؟ أو من قام به الكلام؟». وما زعموه من أن المتكلم يكون متكلما بكلام قائم بغيره، قول خرجوا به عن العقل والشرع واللغة.”
– شرح الأصبهانية

فهم يقولون أنا نقول الله متكلم حقيقة، لكن أنتم يا أهل السنة زدتم لفظة “بكلام قائم بذاته” من أين أتيتم بها!
وما أشبه هذا بكلام الأشاعرة الجهمية اليوم حيث يقولون نحن نقول أن الله في العلو حقيقة لكن من أين أتيتم بأن العلو جهة! وأن الله “بذاته” في العلو!
ودونك مسلك الجهمي المحترق سعيد فودة حيث قال:
“بعد أن عرفنا ما يعنيه ابن تيمية من الفوقية ومن الاستواء، يتبين للناس أن ما ادعاه هنا من أن هذا ثابت بالنصوص كلها = مجرد زعم كاذب منه.
فإن الذي دلت عليه النصوص هو الفوقية لا يقيد كونها مكانيةً ومتحيزةً وفي جهة، بل دلت على فوقية القهر والقدرة وعلو حقيقة الذات والصفات على المخلوقات”
يعلق صاحب الانتصار للتدمرية على هذا الكلام المتهافت:
“دونك منهجية الناقض “سعيد فودة” الجديدة في فهم النصوص، فبعد أن نقلنا تصريح التفتازاني والرازي وغيرهما بأن ظواهر النصوص إلى صف مخالفيهم وليست معهم، وأن ذلك لمصلحة العامة، وغيره مما نقلناه فيما لا يخالفون فيه، من أن الظاهر في الإثبات لا النفي، وأنه مخالف لنظرياتهم الكلامية، يخرج بعدها الناقض ليقول بأن هناك فوقية لا بقيد، وفوقية بقيد هي التي ندل على معنى الفوقية الحقيقي، وهذا كلام أعاجم ولو قال: هناك فوقية حقيقية، وفوقية مجازية، لكان أدق، والأصل حينئذ هو الفوقية الحقيقية، حتى يدل دليل على أن الظاهر مصروف إلى الفوقية المجازية.
– ولكن الناقض يشترط أن تقول الآية: ثم علا علوًا حسيا مكانيا جهويا على العرش!
– وأن تقول: ءأمنتم مَن مكانه الحسي في جهة العلو أن يخسف بكم الأرض!
وأن تقول: تعرج الملائكة والروح إلى جهة مكانه الحسي!
وأن تقول: إلى مكانه الحسي يصعد الكلم الطيب!
فإن لم يقل الوحي ذلك، فيجب تفسير هذه الآيات تلقائيا بعلو القهر والقدرة والمكانة!
وثق تماما أن الوحي لو جاء بذلك لتأولوه بالمكانة ولقالوا: هي استعارة
وتشبيه لعلو المكانة بعلو المكان، وتمثيل لغير المحسوس بالمحسوس للتقريب!
ولا أدري أي جهل يفوق جعل الحقيقة مجازا يحتاج إلى التقييد، والمجاز حقيقة ثابتة أصالة عند عدم القيد!
فالحق إذن أنه ليس عندنا إلا علو حقيقي وعلو مجازي، ولا قيمة لتقسيمه
العلو إلى علو بقيد وعلو لا بقيد، بل هو من الخلط الذي يشوش به على الكلام الواضح.
ولنقلب عليه الطاولة ونغير في كلامه قليلا ليصير: «يتبين للناس أن ما ادعاه
(النافض) هنا من أن هذا ثابت بالنصوص كلها مجرد زعم كاذب منه. فإن الذي دلت عليه النصوص هو الفوقية لا بقيد كونها (فوقية مكانة أو فوقية قدرة أو فوقية قهر)، بل دلت على فوقية (الذات بجهة حقيقة) على المخلوقات».
أرأيت سهولة الدعوى وسهولة محاكاة أسلوب الناقض ويسر قلب الطاولة عليه؟
ويقول في موضع آخر مفصلا وناصحا تلاميذه بهذا المسلك الحجاجي الباهت:
“لذلك دائما عندما تتكلمون معهم دائمًا قيدوا كلامكم، قولوا لهم:
نحن نثبت العلو، لكن أنتم تثبتون جهة العلو، العلو بالجهة، نحن نثبت العلو المطلق عن الجهة … إذا تحرر الفرق بين هذين الأمرين فلن يستطيعوا أبدا الإتيان بأي دليل من الكتاب والسُّنَّة فيه مفهوم الجهة، ولا لفظ الجهة قطعًا، والدليل دائما يكون معكم، احتجوا بأي نص من النصوص في القرآن والسُّنَّة وسيكون معكم؛ لأن كل النصوص القرآنية والنبوية الشريفة لا تخرج عن إطلاق العلو المطلق غير المقيد، أما هم فيقيدونه ويقولون هذا العلو هو علو بجهة ، أنتم طالبوهم بالدليل على هذا القيد؛ أي: من أين عرفتم أن هذا العلو هو علو بجهة، فقط».
يقول صاحب الانتصار للتدمرية: قلت:
قلت: هذا الكلام يقتضي رفع الأمان عن اللغة وإبطال دلالة النصوص على المعاني الظاهرة وفتح باب العبث والتلاعب في مدلول الوحي
فكأنه يقول: لا معنى ظاهر لنصوص العلو، بل هي فقط تثبت علوا مطلقا، علوا غير مقيد بشيء.
ولكننا نسأل: هذا العلو المطلق غير المقيد، أليس له معنى ظاهر راجح لغة ومعان أخرى مرجوحة لغة؟ أليس له حقيقة ومجاز؟ فما هو ظاهر العلو المطلق هذا؟ وما هو الإطلاق الحقيقي له والذي يقابل الإطلاق المجازى؟
هنا يكع عن الجواب، ويظهر عوار نظره ومسلكه، فإن كلمتنا ومخالفينا على أن نصوص العلو ظاهرها العلو الحقيقي الذي يسمونه جهويا، وأن العرش أعلى المخلوقات والله فوقه، لا نحتاج لتقييد العلو بحرف، بل الإطلاق كافٍ في الدلالة على قولنا؛ لأنه هو الظاهر اللغوي والحقيقة المقابلة للمجاز باعترافهم .
وإلا فليخبرنا، ما هو ظاهر العلو المطلق؟ هل هو شيء مبهم أعجمي لا ظاهر له؟
إن قال هذا سقط وهوى، وإن زعم أن ظاهره علو المكانة والشرف والحقيقة، ظهر جهله بما قضي الحكم فيه قبل أن يُخلق الأشعري، وظهرت مخالفته لما تكرر تأكيد وتصريح أئمته به من كونهم يؤولون نصوص العلو ويصرفونها عن ظواهرها، وأن ظواهرها ممتنعة الإجراء لمخالفتها قواطع عقولهم، فيكون الناقض قد صير المجاز الذي هو قوله المحتاج لتقييد وقرينة – ظاهرا، والظاهر الذي هو قولنا المفهوم من إطلاق العلو بلا قيد – مجازا لا بد له من دليل.
ومقتضى كلامه أن لا يصح استدلال أحد بالكتاب والسنة على شيء يفهم ويظهر منهما في حال جاز أن يعبر عن المعنى الظاهر بقيد! فمتى جاز أن يعبر عن
المعنى بقيد امتنع أن يستدل بنصوص الكتاب والسنة في إثبات هذا المعنى ولم يكن هو الظاهر منهما!
قعلى كلامكم وإن قيل للمعتزلي: الله متصف بصفة الكلام النفسي وكلامه غير مخلوق، قال المعتزلي: بل النصوص جاءت بإضافة الكلام مطلقا دون قيد لله، ولم تقيد الكلام بأنه نفسي أو بأنه صفة زائدة لله أو بأنه غير مخلوق، فأدلة الكلام المطلق معنا وأنتم مطالبون بدليل هذه القيود!
وإن قيل للفسلوف: النصوص جاءت بإثبات حدوث العالم، قال الفيلسوف: بل الصوص جاءت بإطلاق خلق العالم، ولم تقيد هذا الخلق والإحداث بأنه زمان أو ذاتي، مسبوق بالعدم أو غير مسبوق، فمن أين لكم هذا التقييد يا أشاعرة؟ أنتم مطالبون بدليل هذا القيد!
وأمثلة العبث التي يفتح لها الناقف الباب كثيرة جذا، وكلها ناجمة عن زعمه أن نصوص العلو ليس لها ظاهر يدل على قولنا ثم هو بعد أن يكون ظاهره دالا على قولنا ينكره ويتأوله، خلافا لاعتراف أصحابه، وهي ناجمة عن زعمه بأن نصوص العلو دلت على علو مطلق ظاهره هو المعنى المجازي باتفاق، وهو علو المكانة والشرف وما شابه ذلك، والذي اتفقت كلمتهم على كونه مجازا تتأول به ظواهر آيات العلو الدالة بظاهرها على العلو الحقيقي الذي يسميه هو جهويا.” انتهى كلام صاحب الانتصار

لمن يريد الاستزادة سأضع المرجع من كتاب الانتصار لماهر أمير وقد نقلته ببعض التصرف لاختصار الكلام (إضغط هنا)

#الغيث_الشامي

الغيث الشامي (أبو عبادة)

أبو عبادة، أثري، دمشقي، شغوف بعلوم الاعتقاد، مهتم بنقد الفلسفات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى