“أكبر مغالطة فلسفية عبر التاريخ وهي أساس أغلب المغالطات التي يقع فيه الفلاسفة ومدارها قياس فاسد لمافي الاذهان على مافي الأعيان.”
إذا اردت ان تنفي أو تعطل شيء عن الرحمن فدونك مغالطة التشييء projections fallacy وهي توقيع مافي الأذهان من مفاهيم كلية تصف معاني تنطبق وتتحقق في معينات وموجودات في الواقع خارج الذهن على مافي الأعيان فتجعلها موجودة قائمة بنفسها وليس مجرد صفات لأشياء قائمة بنفسها ومفاهيم ذهنية كلية تتحقق فيها وتنطبق عليها، وهذه المغالطة التي برع فيها افلاطون استغلها الأشاعرة أحسن استغلال حتى يعطلوا صفات الخالق،
المكان مثالًا:
من المعلوم أن المكان هو صفة نسبية بين الأشياء؛ أي أن الشيء الفلاني فوق الشيء الفلاني وقد يكون بنفس الوقت تحت شيء آخر ووبجانب شيء ثالث من اليمين وبجانب الشيء الفلاني من اليسار، فكما تلاحظ هي علاقة معنوية بينه وبين باقي الموجودات حوله، ويستحيل ان يوجد شيئين في الواقع دون ان يكونا في جهة فيما بينهم، فكيف يخرج الاشاعرة من هذه الضرورة العقلية؟
ببساطة قالوا أن المكان شيء مخلوق وليس مجرد مفهوم ذهني يصف علاقة بين الأشياء المتعينة خارج الذهن (الجزئيات) والحقيقة أن الصفة تابعة للموصوف فإن كان الموصوف مخلوقًا كانت الصفة مخلوقة فان كان الموصوف هو الله فيكون مكانه من ذاته غير مخلوق، والمكان ليس شيء منفصل عن الذات أصلًا ببساطة لأنه ليس شيء! بل مجرد صفة نسبية بين شيئين!
وهم طبعا بالنسبة لهم الصفة عرض والعرض مخلوق لا يقوم الا بجوهر وكلاهما مخلوق فيجعلون المكان هو شيء عيني يحل في الجوهر حلول حسي (ولو لم يصرح بعضهم بهذا لكن هذا مقتضى نظرية الجوهر والعرض وهذا لسان حالهم والمعاني التي يصفون بها الأعراض كمعنى الحركة والتركب أي ينسبون الصفة للصفة ككونها قائمة بنفسها لا ككونها صفة مركبة عائدة على القائم بنفسه كقولنا “الصدق حسن”)، وكأن المكان عرض يتركب بجوهر الشيء فيصبح الشيء في مكان معين!
وعندما يتحدثون عن مفهوم الحدوث نفسه فيقولون الله أحدث الزمن!
وكما هو معلوم فإن الحادث شيئًا مخلوقًا لزم أن يسبق فعل خلقه الحادث فكيف إن كان هو الحدوث نفسه لزم أن يسبق سبب حادث يرجح حدوثه فكيف يتوقف خلق جنس الحدوث على فعل حادث! هذا تناقض ولا شك، والتناقض الأكبر هو هروبهم للقول بشيء يسمى التراخي، وحقيقة نحن أهل السنة نقول أن ذات الله أزلية والفعل القائم بنفسه حادث رجحته الإرادة المقترنة بالحكمة والعلم والحب والرحمة وسائر الصفات الذاتية التي تنعكس على الأفعال وبالتالي ينتج عنها مفعولات بصفات معينة، أما الجهمية والأشاعرة تحديدًا قالوا أن الأفعال هذه صفات ذاتية أزلية أصلًا وليست حادثة قبل المفعول فورًا بحيث ما ان تم الفعل لحقه تمام المفعول، فالفعل يتم أزلًا، وهي ليست نقطة بالماضي بل هي قبل الماضي نفسه بل لا يصح أن توصف بقبل، هي قبل الزمن فلا يقال أنه كان هناك “آن” قد حصل به الفعل هذا أصلا بل هو فعل بدون تعلق زمني، وهذا لا معنى له إذ الأزل نفسه زمن وهو لا بداية بالماضي، لكن هم يقولون الأزل هو الاستغناء عن الصفات الزمنية أصلًا!، وهذا تعريف اصطلاحي هم وضعوه أصلًا، فكيف يعقل فعل بلا تعلق زمني واللغة الطبيعية التي هي انعكاس للعقل الضروري لا يتصور فيه إلا أزمنة ثلاثة للفعل مثلًا (خَلَقَ، يَخلُقٌ، سيخلُق) ماضي حاضر مستقبل، فالحدث الذي لم يحدث في أي من هذه الأزمان لم يحدث أصلًا، والشيء الذي لم يوجد في هذه الأزمان الثلاثة لم يوجد أصلًا، فكيف وجد هذا الفعل، فإن قلتم بل نحن نقصد أن الفعل وجوده أزلي على أي معنى تريدون قلنا لكم الفارق بين الازل وأي لحظة زمنية أخرى سيخلق بها المفعول هو فارق لا نهائي فكيف انتهى ووجد المفعول؟! وهذا نفس ما تقولونه أنتم في منع حوادث لا أول لها مع أنه هنا يلزمكم وهناك لا يلزمكم.
كلمة الحدوث تعريفها العقلي الضروري هو حصول حادث (بعد عدم نفسه) اي هناك زمن يسبقه وهو الزمن الذي كان عدما فيه ثم صار ذلك الحادث!
فكيف يكون الزمن نفسه الذي يصف الحدوث بالقبل والبعد حادثًا؟ والزمن مفهوم ذهني كيف يحدث؟ يعني كيف يكون موجود قائم بنفسه في الخارج؟! وتشير له وتقول هذا زمن!
أي سخافة ومغالطة كبرى تلك، وكذلك يقال لهم هل كان الله “قبل” خلق الزمن؟ فإن قالوا نعم كان القبل ذاك زمنًا!
لذلك الحق ان يقال ان تلك الكليات الذهنية تصف في الخارج ما يصدق عليه معانيها سواء كان مخلوق او غير مخلوق كل بما يليق بذاته فمكان الله هو العلو المطلق على كل خلقه واستواء وعلو مخصوص على بعض خلقه تشريفًا لها بارادته سبحانه وذاته غير مخلوقة بالتالي كل ما توصف به من صفات هو غير مخلوق لها بل اما من افعاله سبحانه او من صفاته الذاتية.
وتلك المغالطة تقع كثيرا في مفهوم الصدفة كذلك فيقال ان الامر ذاك صار صدفة والحق ان الصدفة امر معرفي بالنسبة لنا بينما هو في الخارج ترتب بشكل ضروري على اسباب متقدمة عليه هو نتيجتها الضرورية بإرادة الله سبحانه وقدره الكوني، فيوقع بعض الناس جهلهم بكون امر ما سيحدث كوصفا واقعيا للأمر بغض النظر عنهم (فيصفونه انه صار صدفة وجودية، وهذه طريقة الملاحدة ولا أحد من العقلاء يستخدمها غيرهم) فالأصل في الناس حين يقولون صدفة انهم يقصدون جهلهم المعرفي وعدم تخطيطهم لوقوع ذلك الحادث، لا انه غير مقدر او لم يترتب على اسباب قبله تفضي اليه بالضرورة
وكذلك الاعداد فعدد واحد مثلا هو قيمة كلية تصف كل ما ينطبق عليه معنى الشيء الواحد، فيقال تلك التفاحة واحدة في حال لم يكن لديك تفاحة اخرى من نفس النوع أو شيء أخر لا ينطبق عليه نفس مناط العد أو السبب الذي جعلك تعدّ على شرطه أصلًا، فالعد هو فعل أنت تقوم به كوصف لأشياء معينة باعتبارات معينة، وهي عملية ذهنية، وليس أن العدد هو صفة ذاتية للشيء، فاذا قلت هذا القلم الأول وهذا القلم الثاني فإذا هو خارج الذهن متصف بأنه القلم الاول هكذا بلا أي نسبة، ليس مثلًا بالنسبة للصنع فهو أول قلم صنع من بين الأقلام التي أمتلكها أو أول قلم اشتريته، فهنا انا اصف القلم بالنسبة لشرائي له، فهذه الحالة (أي حدث الشراء وكونه أول قلم تم شرائه هذا حدث واقعي وهو سبب انطباق معنى العد هذا على القلم، ولكن ليس أن هناك صفة ذاتية ثابتة عينية في القلم تجعله هو القلم رقم واحد! كلون القلم مثلًا أو حجمه!) وهذه الملاحظة مفيدة في فهمنا لقضية حوادث لا أول لها، فالأشاعرة يقولون أن الفعل الواحد الذي حصل بالحاضر كيف حصل إن كانت تسبقه أفعال لا نهائية! فكيف انتهت، نقول هنا ماذا تقصدون بلا نهائية؟! هل تقصدون أنها معدودات لا أول لها وهذا ممتنع ففعل العد يفترض معدود أول يبدأ العد من عنده لكن العد عملية ذهنية فلماذا افترضتم أن العد ضرورة أن ينطبق على كل أفعال الله، فهل تقولون أن معلومات الله لا نهائية؟! نعم تقولون، ولا ينطبق عليها العد والإحصاء الذهني البشري أصلًا! فقولوا في هذا كما تقولون في هذا، فنحن لا نقول أن الفعل مشروط سببّيا بانتهاء ما قبله، إنما الحال أن الله فعله بعد الذي قبله وذاته أزلية وشرط حصول الفعل لا علاقة له بالزمن اللي قبله، بل الشرط الوحيد هو أن يكون الله موجودًا ويريد فعله وسيحصل ويكون هنا قد بدأ زمن هذا الفعل اللذي لا علاقة له بشيء سابق عليه، أي ليس سلسلة سببية، فالترتب الزمني هنا لا يفيد الامتناع لأنه شيء ذهني وحسب وليس شيء سببي، فالفعل ليس مشروطًا سببيا بانتهاء فعل قبله حتى يحدث، إنما الحال أن الله ما اراده إلا وقد انتهى قبله وهذا وصف للحدث كما هو في الخارج وليس كلامًا عن سببية تأثيرية تكوّن سلسلة أو ما إلى ذلك فيصير السبب الأول الذي يعطي السلسلة معنى الحدوث والسببية واجبًا.
بالنهاية كما تقول عن السيارة انها واحدة، تقول عن الله انه واحد وكل سياق يعطي معنى يليق بالموصوف بأنه واحد، والقدر المشترك هو المعنى الكلي الموجود في الذهن لرقم واحد الذي يختلف في تنزيله على موصوف معين بحسب حاله.
وكما تلاحظ ان معنى واحد يمكن ان ينطبق على اشياء مخلوقة واشياء غير مخلوقة كل بما يليق بذاته ويناسبها ويخصها.
وأيضًا هنا يحضرني فائدة وهي قولهم عن شيء موجود في كل مكان وبالحقيقة المكان حقيقة ذهنية لا معنى أن يكون له مجموع في الخارج
يعني لا حصر للأمكنة التي يمكن ان تكون! لماذا؟ ببساطة لان المكان ليس صندوق يمتلئ كله! بل هو مجرد وصف لاماكن اشياء معينة فكل مكان يعني انك تقول كل اماكن المخلوقات هي مكان لله! تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا
فكما انه لا حصر ابدا متصور ولا حد للاشياء التي يمكن ان توصف برقم واحد، او بانها كبيرة او صغيرة او ما الى ذلك، ولن تصل في يوم ليقال لك نعتذر لكن لم يعد لديك فرص أكثر لاستخدام معنى رقم واحد الكلي لان الموجودات عامة او موجود معين بخصوص استغرق هذا المفهوم الكلي الذهني (كله) فما عدت تستطيع وصف شيء فيه!
هذا نفسه يقال لهم ان قالوا ان الله في كل مكان فلا يزيد مكانه ولا ينقص! وكذلك يقال لهم ان قالوا ان ليس لله حد يقصدون ان امتداد وجوده لا نهائي! فيقال اللانهائية ليست قيمة محددة نهائية تصل لها بل هي الاستمرار في الزيادة بلا حد يوقف عنده فهل الله يزيد عندكم بعد نقص ام انه بلغ حد اللانهاية وانتهى عند ذلك الحد!