قضايا

القضية الفلسطينية توجّه البوصلة و تحليل الشعار

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم باحسان إلى يوم الدين أما بعد:

فالقضية الفلسطينية على وضوحها إلا أنها أصبحت مصدر إشكالات عقدية وسياسية كثيرة اليوم، وهذا على غير المتوقع نتيجة لوضوحها الشديد!، فالقضايا الواضحة دائمًا يسهل التترس تحتها وبقناعها لاستجلاب قبول الناس، فالباطل لا يقول لك انظر إلي أنا باطل!، إنما يتترس تحت حق واضح يلبس تحته بكلام مجمل ويقول الحق يريد به باطلا ويلبس الحق بالباطل وهذا معروف تاريخيّا عند أهل الباطل لذلك فابليس تترس بالتوحيد وعدم السجود لغير الله حتى يعصيه ويخبئ كبره على العبادة تحته.

فقد أصبحت القضية الفلسطينية ملاذًا لتبييض المشاريع، حيث أن كل من يمتلك مشروع فاسد يريد أن يمرره على الأمة يحشره في التفاصيل وبين السطور ويمرره تحت عباءه دعم القضية الفلسطينية كما تراه مثلًا في برامج مثل السليط الإخباري الذي يقدمه نيكولاس خوري، فالرجل هذا إنسانوي هيومانزمي متطرف في ذلك، وله الكثير من التصريحات الطاعنة بالمقتضى والحال في الشريعة الإسلامية كلها تبيّض وتجمل صورتها ويسامح عليها بحجة انه يدافع عن القضية الفلسطينية بحماس، وبحجة التعايش مع النصارى وتقبل الرأي الآخر، مع أنه هو لا يتقبل الآراء التي لا توافق قيمته الإنسانوية المخترعة بمعزل عن السماء والشرائع، فلك أن تتصور هوان العقيدة عند متابعيه وهم يتضاحكون عنده في التعليقات وهو يوجه كلامًا بذيئًا لكل من لم يترحم على الكفار ثم تقرأ الآيات القرآنية الكثيرة حول هذا لتعلم أنه يطعن في القران صراحة وما جاء في السنة وهو اجماع السلف والخلف المتقرر والثابت المعلوم من الدين بالاضطرار، من أن الكافر الذي يموت على كفره وقد سمع بالإسلام فهو ملعون مطرود من رحمة الله مخلد في النار لا يخرج منها أبدًا ولو تمنى الموت وهو متمنيه تحقيقًا، وينساه الله كما نسيه هو في الدنيا وكما اتهم رسوله بالكذب والادعاء على رب العالمين بل وادعى فوق ذلك أن له ولدًا وصاحبه وكما اتهم صحابة رسوله عن بكرة ابيهم بالسذاجة والإجرام كما يفعل النصارى من بني جلدتنا، فصدق أو لا تصدق، جارك النصارني الذي يعيش بين المسلمين ويحشر الإسلام في اذنه حشرًا حتى صار يعرف عن عقيدتك أكثر منك، هذا لماذا تظنه لم يؤمن؟ لانه بعد كل هذا قد تشرب ما تغرسه الكنيسة في رأسه من أن محمد هذا مدعي للنبوة كذاب شهواني كذب على رب العالمين واضل امة كاملة ساذجة ظنته نبي، وقد حشت رأسه حشوًا بالشبهات التي تكرره بالدين الإسلامي على كل ما رآه من دعوة الإسلام للشرائع الحسنة الواقعية، ومن التوحيد والتنزيه لرب العالمين مقابل مافي كتبه من شرك وحط وتسفيه لرب العالم من كونه ينام ويندم ويخون ويكذب ويتراجع عن وعوده ويصارع المخلوقات، ويتجاهل شمائل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم التي اجمعت امة كاملة من البشر انها تواترت عندها كابرًا عن كابر، ولم يكلف نفسه حتى في أن يبحث في هذا الدين التوحيدي العظيم مقابل مافي دينه من الشرك والحط على رب العالمين!ّ فأي هوى أكبر من أن لا تكترث بكيف تعبد ربك الذي خلقك وشق لك سمعك وبصرك، حتى الهواء الذي تتنفسه والدم الذي يجري في عروقك ونبضات قلبك الذي لو كلفت بان تجعله ينبض بارادتك لما اطقت ذلك ابدًا ولما اسطعت العيش اكثر من ساعة على وجه الأرض، هذا الإله العظيم لا تكترث ابدًا للدين الحق الذي يجب ان يعبد به، وليس عندك أي اشكال ان تقول أن له ولد يساويه بصفات كماله ويشاركه في ملكه ويحتاج له حتى يتصف بصفة الأبوة ويحوز الكمال من خلاله كأنه رجل يحتاج ابنًا يحمل اسمه!

تعالى الله عن هذا التصور السفيه علوًا كبيرًا، والله الموحد الحقيقي ليس له بعد ان يسمع عن هذا المعتقد إلا أن يقول يارب سلم سلم كيف يرفع الله سقف السماء فوقنا ولا يطبقه مع فسق وكفر البشر هذا، نسأل الله العافية.

ثم بعد كل هذا تاتي القضية الفلسطينية لتغفر له ذنوبه وكفره وجحوده هذا بجرة قلم، فيكفي أن تقضي حياتك تدافع عنها لتكون عند الرب من المغفور لهم المرفوع عنهم القلم بل شهيد تحشر مع الأنبياء والصديقين في عليين! وهذا ما رأيناه مع الملحد الهالك نزار بنات، الذي كان يطعن ويشتم صراحة في دين الإسلام ونبيه وإلهه وينصب العداء للتدين والأديان بعموم ويناصر طاغية الشام ويدافع عنه بحماس، إلا أنه كان يناصر القضية الفلسطينية، فكان هذا كافيّا بأن تبرئه من كل هذا وتجعله شهيد في نظر البعض، شهيد عند من؟ عند الاله الذي كان يشتمه وينتقص منه، فهذا الرب عنده القضية الفلسطينية أجل وأرفع من ذاته العلية!

فهذه بوصلة القضية الفلسطينية بعد أن علمنت وأنسنت بل وألهت، أصبحت هي التي تحدد المعيار الأخلاقي، هي التي تحدد من الصالح والطالح وصارت عقيدة فوق كل العقائد، وقضية فوق كل القضايا، ما مبرر هذا؟

هل لأنه المسجد الأقصى؟ أم لأنها دماء مسلمين معصومة؟ أبدًا، مسجد مين يبني ؟ ولا دماء مسلمين مين؟ القضية هذه قضية إنسانية لا علاقة لها بدين، علمانية تمامًا يعني، فصلنا الدين عنها تمامًا، هذا ما يقوله لك البعض حتى من الفلسطينيين انفسهم!، طيب لو تنزلنا معكم سنقول لك هب انها قضية علمانية لا مكان للدين فيها ولو وجد فهو ثانوي ليس له ان يتحكم في وجهة هذه البوصلة بل عليه ان يتوجه معها حيث توجهت ويدور معها حيث دارت، فانت هكذا خسرت كل قيمة دينية تميز هذه القضية عن غيرها، من ضمنها المسجد الأقصى مثلًا، وكذلك سويتها مع كل القضايا الأخرى التي تعاني الإنسانية منها، ثم لأحد أن يقول لك ، يارجل أما ترى أن القضية السورية أهم حيث ان من مات بها أكثر وهي أكثر دموية بكثير، ولشخص ما أن يقول أنا أرى أن إسرائيل أصبحت أمرًأ واقعًا وفقط تتوقف عن القتل وكذا وهذا يكفي، وليس لك ان تحاكمه لأي شريعة، هو هذا رأيه وهذه أخلاقه، فإن قلت له أنهم سرقوا أرضنا فيقول لك تمام، هل معك جيش لترجع ارضك، فان قلت له لا، قال لك ولماذا علي أنا أن أضحي بروحي أو مالي لأجلك؟ هل لأجل جنة مثلًا؟ منت يابني بتقول انها قضية إنسانية علمانية لا علاقة لها بالدين!، نعم نحن المسلمين نقول أن قضية نصرة المظلوم هذا أمر مشترك إنساني يعرفه الجميع أنه أخلاق حسنة بضرورة العقل، لكن ما الذي يوجب عليهم أن يفعلوا هذه الأفعال الحسنة إن كان فيها احتمال ان يموتوا ويفقدوا حياتهم هم شخصيّا؟ يعني ما الذي يجعل الأوروبي مثلا يدفع لك أموال او يأتي يساعدك بروحه ودمه؟ ان لم يكن بينكم رابطة دينية وهناك غاية أخروية تفيده بأنك ستستشهد حقيقة وتذهب لجنان الخلد، فعليك أن تفهم ذلك جيّدا، القول بأنها مجرد قضية إنسانية علمانية باردة جامدة خالية من المشاعر الدينية والقيم الدينية هذا حط شديد عليها لا يفيد قضيتكم، وحقيقة البعض تفطن لذلك فصار عندما يحمى الوطيس يرفع شعار الدين، وفي أوقات القرارات الحاسمة والسياسات يجعل الدين خارج اللعبة.

والبعض اعتقد أن القضية الفلسطينية بنفسها تكفي كإله يدخل الجنة لكل من يطيعه!، وكأنها إله الأديان مثلًا الذي إن أطعته وعبدته حق عبادته والتزمت بالأخلاق والشرائع الذي انزلها لك لكي تنظم حياتك من خلال عبادته وحده، فهي كذلك اذا افنيت حياتك في خدمتها ضمنت لك الشهادة والترحم مهما كانت ملتك ومهما كانت افعالك وعلاقتك مع خالقك، فهي حقيقة صارت كأنها إله عند البعض، كيف لا وقد صارت المركز الذي تحرف العقائد لأجله، فيصير النصراني شهيدًا، والملحد شهيدًا، الله المستعان ولا رب سواه.

فعليك أن تفهم أخي الكريم، أن القضايا لا تأخذ قيمتها من أنفسها فهي ليست إله!، القضايا لها مسوغات لتصبح قضية عادلة “يجب نصرتها”، نسلم لكم أن القضية الفلسطينية قضية عادلة، على أن هذا الأمر بالنهاية قد لا يسلم من معارضة عند البعض ممن لا خلاق لهم، وترى هذا الجدل لا يحسم بالنهاية الا بالدين، فترى مثلًا الملحد شريف جابر يقول لك، إن كان الإسرائيليين اكثر استغلالا للموارد وسيطوروا البلد فلماذا لا يتعايش الفلسطينيين معهم وينهون الصراع! ففي تصوره البقاء للأقوى والأصلح ماديّا واقتصاديّا، وأن قضية ملكية الأراضي هذه قيمة متخيلة في أذهان البشر، الأراضي في ذاتها لم تكن ملكًا لأحد لكن البشر سيطروا عليها بالقوة وفرض النفوذ والدنيا دوارة يعني والقضية كلها تعتمد على من الاصلح لهذه الأرض فلماذا هذا التشنج! يكفي فقط أن تتوقف إسرائيل عن الجرائم وخلص نطبع وانتهت القضية!.

فكيف ونحن المسلمين نقول انه لو هدمت الكعبة حجر حجرًا لكان جرم قتل مسلم واحد أكبر عند الله! وكيف لو علم أن نصرة المظلوم عندنا كافرًا كان أو مسلمًا هي من أعظم الفضائل التي سيثيبك الكريم سبحانه عليها بجنة عرضها السماوات والأرض وكيف لو عرفت مقدار الشهادة عند الله وفضل الجهاد في سبيله لاعلاء كلمته وتحكيم شرعه، كل هذا يتهاوى وكل هذه القيم لا معنى لها عند من يعلمنون القضية ويعاملونها كقضية لا تحتاج مسوغ ولا تحتاج مصدر أخلاقي متعالي ليسوغ لأحد أن يضحي بحياته وأمواله لأجلها!

بل صارت هي القيمة والمعيار ووهي الإله الذي يكفي لتسويغها، فقيمتها لذاتها وشرفها أعلى من أي شرف ومن معها فهو معصوم!

وهم طبعًا لا يصرحون بذلك، لكن عند الناظر المدقق ليس التصريح هو كل ما في الأمر، هناك تحليل وقراءة للنسق الفكري لاستخراج المعاني منه ولمعرفة التوجه العام والمسلمات المبطنة، وهذا ما نراه مثلًا فيما حصل مع الدحيح حينما تعاون مع ناس ديلي الذي يدعم إسرائيل، الجميع قاطعه ووقف ضده، وبمجرد ما صرح أنه مع القضية الفلسطينية توقف الجميع عن هذا، على ما ينشره هذا الرجل من الأفكار الإلحادية التي يعلم انه ينقلها من الفلاسفة الملاحدة الذين اشتهروا على انهم ملاحدة لا على انهم علماء!

لكن لو نظروا في أفكار الرجل لوجدوه يروج لإنكار الإرادة الحرة والنسبية الأخلاقية ومذاهب اللذة والجبرية الجينية والبقاء للأقوى، فحقيقة لا يبقى معنى لنصرة القضية الفلسطينية ولا أي قرار أخلاقي عندما تنفي الإرادة الحرة، فكيف لا ترون هذا التناقض، بل والله لو أنه وقف في القضية هذه لكان متسقًا مع اعتقاده، حيث أنه يرى أن الأخلاق نفسها لا هي محكومة بإرادة الإنسان (ومع هذا ترجع لميول مصلحية عنده وليس انها لها حقيقة موضوعية مسوغة لاتباعها يغض النظر عن اللذة الدنيوية فلا يرى التحسين والتقبيح العقليين بل الحسيين الالتذاذيين” ولا هي فكرة مسوغة ذاتيّا حيث أنها لا تخلوا عنده من الانحيازات والتناقضات كما عرض في كلامه عن معضلة القطار الأخلاقية، وفي تصوره ليس للأخلاق أي قيمة متعالية على الدنيا وملذاتها ومادياتها، فلماذا هو مضطر لدعم القضية الفلسطينية؟

هذه الأسئلة كلها هي بالحقيقة معضلات يواجهها هذا التوجه وهذه البوصلة الفاسدة التي تمتطى القضية الفلسطينية لأجل توجيهها بحسبها، وترى تعاطي هؤلاء الناس مع العقيدة على أنها قيمة إضطرارية إجبارية لا اختيار لك فيها، فانت ولدت على معتقد والحقيقة نسبية ولم يحملك أي سبب “انساني” “مصلحي” أو “ضغط اجتماعي” للتحول عن دينك، بل حتى التحول عن دينك يرونه أنه ليس له مبررات منطقية بل هو كالذوق الذاتي، كمثل الاختيار بين الموز والكرز مثلًا، فاليوم هواك في هذا وغدًا في هذا، ليست المسألة ان هناك حقيقة وهناك اله يستحق العبادة مما يدعوك لمعرفة ما حقيقة الدين وما حقيقة الكيفية الصحيحة لعباده وان هناك معنى لحياة الانسان يجب ان يشق طريقه في البحث عنه وان لا يظن في ربه انه خلقه عبثًا وهملًا واعطاه العقل ومع ذلك يكون مماثلًأ للبهائم الغير مكلفة التي لا تطيق التكليف!

العقيدة قيمة اختيارية تماما عند الشخص العاقل المميز وليست كلون جسده مثلًا او الدولة التي ولد فيها!، وهو محاسب على اختياره البقاء عليها ويمكن تصنيفه بنائًا عليها لأنها رؤيته الوجودية التي تحكم تصوره تجاه الأشياء، فكيف قسمت هذا على هذا؟! بأي عقل أو شرع!

أنا سأخبركم بأي عقل وشرع، فالعقل والشرع الإنسانوي الذي يجعل الإنسان هو المركز وتجعل الأفكار تأخذ قيمتها منه وليس من نفسها وصحتها وموضوعيتها ومنطقيتها، بل لمجرد أن هناك بشرًا يعتنقها، فهو المركز وهي التابع وليس العكس، وهي تطور بتطوره هو وليس لها أي حصانة في معزل عنه!

والبعض يرى ان النصراني الذي يعيش في بلاد المسلمين ويتعايش معهم في تعاملاته اليومية الإنسانية خير من الغربي وأقرب، وحقيقة الامر أن العكس صحيح!، فهذا الذي يعيش معك قامت عليه الحجة وصار يعرف عن دينك الكثير ومع ذلك بقي مصرًا على تكذيب دينك واعتبارك مغفلًا لاتباعك هذا الدين، ويرى أن نبيك كاذبًا، فهو بالحقيقة أكثر اصطدامًا مع مقدساتك! أترى أن رجلًا يشتم أمك وهو يعلم عن عفتها وشرفها أقرب ممن يشتمها وهو لا يعلم عنها شيئًا إلا الإسم! بأي عقل؟!

فالطبع الأول مكابرته وعناده أكبر.

فبالحقيقة هؤلاء جعلوا الإله شيء ثانوي مقابل هذه القضية، فيقال اعتنق القضية الفلسطينية ثم اعبد ما شئت من الآلهة واعتنق ما شئت من الأديان.

وكما وضحنا فهذا ينقض نفسه بنفسه اذ يجعل القضية الفلسطينية لا معنى لها ويقلل من قيمتها

والبعض جعل الإله نفسه يعتنق الإنسانوية ويثيب ويعاقب بنائًا على معيار واحد، وهو الإحسان للبشر أو الإسائة لهم، ولم يعد هناك أي معايير ما ورائية او دينية غير هذا، فصارت الأديان هي الأخلاق الإنسانية التي في مصلحة الإنسان وحسب والإله هو خادم للإنسان فقط وصار الإنسان الدنيوي هو المركز، وان لم يجعل الله الأرض فردوسًا للبشر ونصرهم في كل محفل ولم يذقهم أي ابتلاء أو كذا فهو لا يستحق أن يكون إلهًا ولا يستحق أن يتربع على عرش “رئيس الدولة الكونية الذي يخدم الشعب”

فبالحقيقة هكذا صار الإله عبدًا للإنسان لا العكس!

وبالحقيقة صارت عند هؤلاء الغاية تبرر الوسيلة، فلأجل القضية الفلسطينية كل شيء جائز، التعاون مع ايران، التعاون مع أيّ كان، كل من يدعي المقاومة والممانعة فهو في صفنا، إن كان في أنسنة وعلمنة القضية مكيجة وتحسينًا لصورتها أمام الغرب فلا مشكلة في ذلك، الغاية تبرر الوسيلة.

وصار الكافر بالإسلام المؤمن بالقضية الفلسطينية هو مؤمن كامل الإيمان يستحق الترحم والافتخار ويستحق الجنة والشهادة والبعض يحاول ان يجد لهذا مسوغًا شرعيّا فيقول الله أرحم من أن يعذب شخص يدافع عن القضية الفلسطينية! (طبعًا كما قلت لكم صارت هذه القضية هي المعيار الأخلاقي الأعلى فمن يعتنقها فقد حاز الكمال الأخلاقي ومن يتركها فقد حبط عمله وكأنها هي المعبود والإله الذي يحبط عملك إن جحدته وتحوز الجنان ان عبدته)

وبالحقيقة فالكافر ينال من عدل الله ما يقر به هو قبل غيره فرحمة الله فضل منه يؤتيه لمن يشاء بعكس العدل الذي حرم على نفسه نقيضه وهو الظلم، فالله سيعدل مع الجميع سبحانه وليس مضطرًا أن يرحم الجميع ومع ذلك فالرحمة صفة كمال فهو يمكنه أن يرحم من يجده قابلًا للرحمة أهلًا لها ولو تقاصر عنها عمله لضعفه لكن الله يعلم باطن نفسه ومجاهدته، وأنت كما تعلم أن هناك نوعًا من الجرائم هنا حتى في الدنيا يرفع عنك أنواعًا من الرحمة وحتى ما يسمى بالحقوق، فكيف بأعظم جريمة وهي الكفر بالله وكما تعلم فإن عظم الجريمة يرجع لعظم من ارتكبت بحقه والكيفية التي ارتكبت بها، فقاتل رجل بالاربعين ليس كمن يقتل طفل رضيع والقتل العمد ليس كالخطأ والتقطيع والحرق ليس كالطعن بالسكين!.

والكافر له من الله أن لا يعذبه الله فوق ما يستحق، مع أن الله يمكنه أن يضاعف له العذاب ولن يمنعه مانع، فمن المعلوم أن جهنم دركات، وحتى أعظم الناس عذابًا فعذابه متناهي، ويمكن زيادته إلى ما لا نهاية، ولن يعجز الله أبدًا ان يستمر بزيادة العذاب عليه ومضاعفته، ولكن الله حدد له مقدار معين من العذاب، ودفع عنه كل المقادير الممكنة من حيث قدرته التي تقدر باللانهاية من الطرق في التعذيب التي قد تفوق ما يتعذب به تحقيقًا وهذا الدفع نفسه هو خير للكافر، فمن المعلوم أن المتناهي أقل من اللامتناهي وبهذا يكون عذاب الله للكفار أقل بكثير جدا من عذاب اخر يستطيع ان يعذبهم به، وهذا نفسه فيه رحمة وهي طبعا ليست الرحمة المقصودة شرعًا بالمنع والطرد لأن الكافر ملعون مطرود من رحمة الله ان اصر على الموت وهو جاحد لربه ولا يريد منه شيئًا فالله بالفعل يحقق له هذه الرغبة ولا يعطيه أي رحمة ويخلده في عالم خالٍ تمامًا من نعم الله ورحمته، فلا يثيبه ولا يجعله يتلذذ بأي نعمة لكن أيضًا يدفع عنه ما لا يمكن احصائه من العذاب، فهو يعذبه بمقدارالعدل لا أقل ولا أكثر، وهم يشبهون الرب سبحانه فالبشري الذي يسامح من اعتدى عليه عندما يسمع خبر موته لوجه الله تعالى محتسبًا الاجر، فعندهم الرب يجب أن يتأثر بموت أحدهم ويأخذه ذلك للعفو عنه ونسيان ما تقدم من ذنبه فتعالى الله عن ذلك التصور علوًا كبيرًا، يا قوم والله ما تفهمون ما يخرج من رؤوسكم ومن لوازم قولكم.

قد أجمع أهل السنة والجماعة على ما تكاثر من النصوص والأدلة الشرعية أن الكافر لا يجوز الترحم عليه أو الظن أنه سيدخل الجنة بعد بلوغه للحجة وحتى لو لم تبلغه الحجة فلا يجوز الترحم عليه فالترحم لا يكون إلا على المسلم، ورحمة الله سبحانه ليست متوقفة على دعائك أنت أو غيرك له بالرحمة، فالدعاء عبادة شرعها لله لحكم كثيرة علمنا منها ما علمنا وجهلنا منها ما جهلنا، كتعزية الميت مثلًا وتعزيز التآخي بين المسلمين وحبهم في الله وتمني الخير لهم وأن تكون سببًا في زيادة الرحمات على هذا الرجل ومع ذلك لو أن أهل الأرض كلهم توقفوا عن الدعوة لرجل مسلم يستحق رحمة ما لكان الله رحمه إياها سبحانه، ولكن الله يهيئ للناس أسبابًا كثيرة للرحمة منها استغفار البشر له ودعائهم له بالرحمة ومنها استغفار الملائكة وغير ذلك، فيرحم من يشاء كيف شاء، والدعاء عبادة تفيد الداعي والمدعو له.

وإلا فكيف تدعوا للكافر بالرحمة من اله هو لا يعبده ولا يريد منه ان يرحمه! هذا والله تعدّ على حريته كما عندكم في أصولكم! فالرجل لا أساسًا لا يريد جنتك ، بل قد يكون يعتقد بجنة أخرى أو ملحد يحب أن يكون معدومًا أساسًا ويرى أنه ارتاح هكذا، فأنت تطلب له ما لا يريد هو!

وفي هذا إهانة لمعتقده كما ترى، وفيه كذلك إهانة لمعتقدك انت وتسفيه لاجماعات المسلمين على مر 14 قرن كأنهم كلهم مافهموا الدين وما استطاع الرسول ان يفهمهم إياه حتى جئت أنت لتنقذ الأمة من هذا.

وثم هذا ليس فيه رحمة للنصارى الأحياء! فالنصراني الذي يجد العزاء في دخوله للإسلام ومخالفة أهله والصبر على هذا الضغط الاجتماعي النصراني الكبير عليه رغبة بالجنة التي وعدها الله للمسلمين والخوف من العذاب، وانت تقول له لا، ابقى نصراني فلا فرق بين المسلم والنصراني في هذا، فتكون أنت ظلمته وأهلكته.

فتصورك عن رحمة الله من وجه تصور قدري حيث أنك ترى أن الرجل فيه خير ويستحق الإسلام ومع ذلك الله عز وجل اراه الإسلام ولم يوفقه له، وكأنه طلب الحق وما وفق له، وكأنه هو الذي يخلق فعل نفسه فيعجز أن يسبب الأسباب التي تقوده للإسلام وليس أن الله يسبب له الأسباب ويستطيع هدايته ان كان مستحقًا للهداية مريدًا لها.

كقوله تعالى سبحانه: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا.

وكذلك كتصور الجبرية بأن الله جبر هذا العبد على هذا الاعتقاد واماته عليه فحينها يقال هو أرحم من أن يعذبه على ما لا يد لهذا الإنسان به!

فكيف والله ما أردنا أن نحلل معتقدكم وجدنا به من الفساد ما فيه فنسأل الله لكم الهداية ولجميع الأمة.

وأن يرفع عنكم الاحتلال الفكري والمادي، فقد فتحتكم الباب للنصارى والملاحدة ليستهزئوا بعقيدتكم من خلال باب الترحم كما في هذا البوست المعروض للسفيه نيكولاس خوري النصراني أخرس الله لسانه وأشغله بنفسه.

فوالله قد تسلط عليكم اعدائكم بضعفكم العقدي هذا دون ان تحتسبوا.

ومهما تظاهرتم بالحكمة وان الوقت غير مناسب للحديث ظهر كذبكم في لسان حالكم لانكم سوغتم الاندفاع للعاطفي للقول بانها شهيدة دون القول الصحيح عقديا وجعلتم قولنا فتنة وقول من شهد لها ليس فتنة! وان تكلمنا بالموضوع في وقت تكون القضية فيه خاملة تقولون انتم توظون فتنة، يا قوم صارت السياسية عندكم مقدمة على رب العالمين وشرعه!

كتبه: الغيث الشامي ستر الله عيوبه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

#الغيث_الشامي

#شيرين_أبو_عاقلة

#فلسطين

#نيكولاس_خوري

الغيث الشامي (أبو عبادة)

أبو عبادة، أثري، دمشقي، شغوف بعلوم الاعتقاد، مهتم بنقد الفلسفات الهدّامة قديمها وحديثها حفيد الدارمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى