قال تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ
بقلم: الغيث الشامي (أبو عبادة) ستر الله عيوبه
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله وآل بيته وأصحابه الطيبين الطاهرين والتابعين ومن تبعهم بإحسان من الفرقة الناجية إلى يوم الدين.
أما بعد:
لاحظتُ ظاهرةً غريبةً في السّاحة وهي أن كثير من الدعاة يحيلون إلى كتب أو إلى قواعد، ثم لا تجد تطبيق ما فيها أبدًا ظاهرًا عليهم، بل تستغرب هل هم أساسًا قرأوا هذه الكتب قبل أن يحيلوا إليها أم لا أو فهموا هذه القواعد ولوازمها المنهجية وحرروها تحريرًا جيدًا قبل أن يلقنوها لغيرهم.
فمثلًا كثير ممن في السّاحة أحالوا الطّلاب لكتاب “آلة الموحدين لكشف خرافات الطبيعيين” والكتاب شديد جدّا ومعياري في مسألة التعاطي مع العلموية ويُعنى بنقد الفلسفة الدهرية الطبيعية من أساسها وجذورها وبيان وجه خطأ النظريات التي قامت عليها في الاستدلال من حيث الأساس فيسقطها على رأسها من خلال بيان وهاء الأساس والمقدمات التي قامت عليها.
ثم كثير منهم يتبنون هذه النظريات!
الشاهد أن هذا مثال واحد على تناقضهم ومخالفتهم لما يعلّمونه لتلاميذهم.
أما اليوم فقد فتح موضوع التكفير وبدأ يظهر ما يدور في خلد الكثيرين ومن المعلوم أن هذا الموضوع يبين لك من الذي تأثر بالمقدمات الإنسانوية العلمانية ومن الذي سيطبق ما كان يعلمه لتلاميذه لجواب الشبهات التي يطرحها أمثال هؤلاء، وسيظهر في لحن قوله خوفه من أن ينفض الناس من حوله وأن يرمى بتهم الإرهاب الإنسانوي مثل “تكفيري” أو “خارجي”.
من المعلوم أن الساحة في السنوات الماضية تقريبًا أطبقت على موضوع الرد على تيار إلحادي يسمى “اللاأدرية” وهؤلاء متفاوتين في السفسطة لكنهم هم ورثة السفسطائيين في العصر الحديث، ومن دعاويهم عدم الثقة بالضرورات العقلية، أو اعتقاد أنه ليس في العقل ضرورات أصلًا، أو أنها نسبية بحسب كل شخص أو بحسب كل زمان ومكان، وأنه لا يوجد شيء يكون حقّا في نفسه إنما يكون حقّا بالنسبة لفلان بسبب ظروف نشأته ونشأة عقله وتفكيره بالكامل الذي ليس فيه أي شيء يمكن أن يسمى فطرة يشترك فيه مع باقي العقلاء، ولا يرد الشك النظري عليه والمسائلة أو أنهم يقرون بالغرائز لكن يجعلونها فقط حاكمة على الحيز هذا من الوجود تحكمّا ويجعلونها وقد يتناقضون بزعمهم أن الغريزة تقود إليها بالضرورة مع كونها نابعة من الحس بالتالي يجب أن نقتصر بها على الحيز المحسوس.
وطبعا نقول أن بطلان قول هذه النحلة يغني عن إبطاله، فنحن أساسًا لا نحتاج أن نقدم لهم برهان لنثق بضرورات العقل التي يجزم العقل أنها مطلقة ولا شك فيها، أو لنثبت وجودها في نفس كل عاقل فإن كانوا يحاولون إثبات كلامهم أو يعتقدون صحته بشيء غير عقولهم فليخبرونا عنه حتى نشتريه!، ويتجلى تناقضهم مثلًا في قولهم الضرورات لا تعمل خارج العالم فهذا اعتقاد منهم أن هناك خارج نقيض للداخل، وأن هناك خطأ وصواب وأنه من الخطأ القول أنها تعمل خارج العالم وهو بنفسه حكم يفرق بين شيئين وهما الداخل والخارج بالتالي اعتقاد أن الضرورات العقلية يمكن أن تصدر أحكامًا بالنفي والإثبات أو التوقف “لسبب” عقلي عن الحكم عنما وراء المحسوس وهذا نفسه حصر لأقسام الإجابات في هذا الحيز الغيبي بالتالي هو نفسه اعتقاد أن الضرورات تعمل خارجه وتصدر أحكامًا عنه لكن مع نكهة من المكابرة والكذب على النفس واللف والدوران الذي عهدناه من الفلاسفة والفلسفة منذ نشأتها في الأكاديمية اليونانية وصولًا إلى الحداثة وما بعدها!
على أية حال كما ترى فهذا منهج خبيث، كتب الإخوة بارك الله في جهودهم نقدًا كثيرًا له وهذا النقد ما هو إلا رحمة منا بهم وإرادة هدايتهم ودعوتهم للحق بنقض أقوالهم وإلزامهم وفضحهم وإجبارهم على العودة للحق الضروري الجبلي الذي نعلم أنهم يعلمونه يقينًا في نفوسهم وأنهم مكابرين عليه أشد المكابرة، فواحدهم يدعي أنه لا يعلم هل خارج الكون تصح العبارة 1+1=2 أم لا.
وعندما كنا نحاجهم بالضرورات العقلية مثلا السببية، لإجبارهم على الاعتراف بما يلازمها بالعقل ملازمة ضرورية لا تستقيم في عقل العاقل دونه مثل امتناع التسلسل ووجود السبب الأول الغير مفتقر للأسباب، كانوا يعترضون عليها بأنها غير ضرورية، وأنه لو اعتقد بها العامة فإن أشخاص من كبار الفلاسفة اعتقدوا بنفيها أو التوقف فيها! وأنها ما هي إلا اعتقاد منسوب لأرسطو!
و(على كلامهم) أن الكثير من الفيزيائيين الملاحدة اليوم استغنوا عنها، وأن ميكانيكا الكم أبطلتها أو كثير من العلماء استغنوا عنها في “تفسير” “أسباب” كون ميكانيكا الكم على ما هي عليه أو في معرفة “أسباب” جريان ما يرونه من الأحداث المراد تفسيرها سببيّا.
فيقول لك كل هؤلاء الفيزيائيين الأذكياء أجمعوا على نفي السببية والتشكيك بها، بل ونفي خالقك في فوق عرشه بالكلية وهؤلاء بسببهم أنت اليوم تمسك الهاتف الذي بيدك وتستخدمه للهجوم والحط عليهم، فهل أنت يا صغير الشأن الذي تجلس في زاوية بائسة في دولة متأخرة أعلم من هؤلاء العلماء الذي سطر التاريخ أسمائهم!
هل أنت أعلم من الفيلسوف ديفيد هيوم، أم أعلم من هايزنبرغ أو لورانس كراوس أو ريتشارد دوكينز أو أعلم من ستيفين هاوكنج!
فكان الإخوة يقولون لهم أن النظريات لا تنقض البديهيات وأن هذه البديهيات لا تخفى على عاقل سليم النفس إلا من كابر عليها، ولا يدخل بالإقرار بها مسألة الذكاء من عدمه، بل الذكاء أساسًا يكون في استغلالها!
وأن الذكاء مهما كان كبيرًا فإن أصله إعمال العقل ليس إلا وهذه ضروراته لا شك وأن علوم كل هؤلاء شاءوا أم لا كلها مبنيّة على استقراء الأسباب النظامية النابعة عن طبائع الأشياء من حولهم وليس لهم التنظير في غير صنعتهم ولا التسلط على عقولنا بالكلية في غير ما يجيدونه في صنعتهم، ولا يلزم إن كنا نستفيد منهم في بابٍ أن نعطل عقولنا ونسلمها لهم
، فالشخص قد يكون ذكيّا في باب، وفي باب آخر لا يصح أن يسمى عاقلًا أساسًا فحاله أقرب للمجانين وللخروج من حيز العقلاء بالكلية!
فلا يلزم من استفادتي من الهاتف أن أسلم لهم بتنطعهم وتنظيرهم الواهي التخرصي في غيب السماوات والأرض وما ورائهم فيما لا نهاية من الزمان والمكان! وأن هذه المسألة “أي الضرورات” أساسًا لا يدخل فيها الإحصاء، نحن لا نعتمد في اثبات الضرورات على مسألة الإحصاء ولا أن عامة البشر معتقدين أنها، هذه مقدمة أشبه بمقدمة الديموقراطيين الذين يبدأون أصلًا بنسبية المعرفة، أن لا ضرورات بنفسها، يقولون إنما نرى ما هو الأشيع بين الناس والأكثر قبولًا فنعده ضرورة!
كما كان مشروع جستون باريت الذي لخصه في كتاب “فطرية الإيمان” وترجمه مركز دلائل، والذي عقد الكثير من التجارب والإحصاءات على الأطفال ليعلم ما هي الفطرة وهل هي موجودة أم لا وما محتوياتها، وكأنه هو نفسه ليس داخل فيها أو لا يجد ضروراتها في نفسه فيفهم من خلال ذلك أساسًا جدوى الإحصاء والاستقراء كما يجد جدواه في الاستدلال في مواضيعه ضرورة في نفسه!، هذا تناقض ولا شك، إذ لو احتجت للاستدلال على الضرورات والبديهيات التي تعرفها أنت على أنها معتقدات أساسية في الإنسان لا تفتقر إلى برهان أو استدلال نظري سابق عليها فكيف تعمد إلى إثباتها هي نفسها؟ وما منطق الاستدلال الذي ستستخدمه؟ هل هو نفسه مبني على الاستقراء والتتبع لتعرف أنه فعلًا دليل يصح بضرورة العقل؟! هذا دور وتسلسل وتناقض واحتكام إلى الكثرة ولو أردت أن أعدد لك ما مدى غرقك في السفسطة والمغالطة لما كفاني هذا المقال، الله المستعان.
واليوم عندما حان أن نطبق هذا في داخل صفّنا، أي ما علمناه للتلاميذ وما أشبعنا المخالفين ردودًا عندما غلطوا فيه، نقول جائنا الدليل اليقيني بكفر الفرقة الفلانية وعدم عذر الشخص الفلاني وأنه انطبقت عليه شروط التكفير عند السلف فيقال لك لو كفرته للزمك أن تكفر فلان وفلان، يحتج عليك بالكثرة لإبطال دليل صحيح في نفسه!
فإن قلت له أنت تحتج بالكثرة على طريقة الديموقراطيين الذين لازلت ترد عليهم في غير موضع!، يقول لك إذا هل تريد مني أن أقتنع أن كل هؤلاء على باطل وأنت على صواب! أنا أصلًا لا أحتاج أن أنظر في أدلتك فلو كان فيها خير لانتفع بها هؤلاء الأذكياء قبلي!
هل كل هؤلاء مخطئين وأنت صغير الشأن الذي لا تساوي نعالهم تكون على حق!
وأنت تفتح له الكتب أمامه وتطرح له الأدلة وتخبره أنك أنت مطالب باتباع الدليل والأخذ من حيث أخذ هؤلاء وأنك إن كنت تثق بمنهج هؤلاء لأنهم علماء بالدين فإن منبع الدين هو السلف وهذا كلام السلف وأنت تعلم أساسًا أن هناك فرق مبتدعة وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بتفرق الأمة بين سنة وبدعة وأن فرقة واحدة منهم هي فقط الناجية وأنها تكون غريبة قليلة في آخر الزمان وأن الكثرة ليست حجة في نفسها، فإن أكثر أهل الأرض وأذكيائهم اليوم من الغرب هم نصارى يعتقدون بالثالوث الذي هو 1+1+1=1 فهل تعطل عقلك لأجل أن تتبع الكثرة هنا أيضًا!، قال تعالى: وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى ٱلْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ، هذا مسلك سفسطائي يجعل عقل الفرد نسبي لا يوثق بضروراته إنما يعمد إلى عقول الجماعات والنسب ويحيل المسألة إلى نسبية بحسب كل مجتمع ما الضرورات التي اتفق على عدها كذلك وما الضرورات التي اتفق على اهمالها والمكابرة عليها كل شخص وكل فئة بحسب مصلحتها وأهوائها من ذلك، ابتدائًا من القسيس الدجال انتهائًا إلى العامي الذي يخاف من مخالفة العامة وأن يتهم بالهرطقة والكفر وأن ينبذه أهله وأحباهم أو أن يصل لمرحلة يصف مجتمعه كله بأنهم كفّار وأنه مطالب بإنقائهم كلهم من النار وهذا ما لن يقدر عليه ولو قضى كل حياته دعوى إلا أن يكون له تأييد كبير من الله مع افناء عمره كله وهمته كلها في الدعوة، وهذا ما قد يستثقله الكثيرون، أو يستثقل أن يعترف بأن كل آبائه ومعظمين قومه أخطأوا! هذا كله يخالف هوى في النفس والأهواء لا تكاد تحصر، لكن كلها صارفة عن الحق البدهي الجبلي أو حتى الدليل في حال حضوره، وهنا نتكلم عن مسألة العناد والإعراض واللعب بالشك واتهام الحق بما ليس فيه وهذا ما علمتنا إياه السيرة النبوية وكتاب الله الذي بين أيدينا نتلوه ليلًا ونهارًا ونفسره وتعقد ألاف المجالس يوميّا لتدبره!
فهل نقع بما وقع به القوم؟! أليس هذا ما علمتم تلاميذكم؟ أننا السلفية نتبع الدليل ولو خالفه أهل الأرض أجمعين
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ اللَّهَ لا يجمعُ أمَّتي – أو قالَ: أمَّةَ محمَّدٍ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ – علَى ضلالةٍ ويدُ اللَّهِ معَ الجماعةِ، ومَن شذَّ شذَّ إلى النَّارِ
يعضده حديث الرسول عن البدعة: كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار
وأمة محمد صلى الله عليه وسلم هي نفسها سبيل المؤمنين المذكور في الآية:
ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} (النساء:115).
وسبيل المؤمنين هم صحابة الرسول أولهم الخلفاء الراشدون ثم سائر الصحابة ومن تبعهم من القرون الثلاثة الأولى المفضلين:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، قال عمران: لا أدري أذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعد قرنه قرنين أو ثلاثة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي
يشرح كل هذا قول ابن مسعود رضي الله عنه:
“الجماعة ما وافق الحق وَلَوْ كنتَ وَحدَكَ” رواه اللَالكائِيّ في شرح أصول اعتقاد أهل السنَّة والجماعة (1/122) رقم (160)
وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم:
بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء
فبعد كل هذا وضح معنى الإجماع والسواد الذي يوثق به ويؤخذ منه وهو منزه عن الوقوع في البدعة والضلال وهو جيل الصحابة ومن تبعهم وهو سبيل المؤمنين الذي ما ان تمسكت به نجيت ولا عبرة بإجماع أي أحد بعده إن خالف إجماعه وطريقته
فإن جاءك شخص بكلام السلف من علماء القرون الثلاثة الأولى المجمع على سنيتهم وعلى علمهم، رواة الحديث الذي ائتمنهم على دينك، بل الله عز وجل من فوق سبع سماوات حملهم هذه الأمانة وترفض كلامهم لأجل أناس معاصرين أو أناس جاءوا بعدهم بقرون سلكوا سبل الجهمية الكفار ثم تقول عن أتباع السلف أنهم لا يساوون نعال المبتدعة! فنقول لك نسأل الله أن يحشرك معهم!
وأن يحشرنا مع من بدعهم ونقض عليهم طريقتهم بالكلية، بل وكفرهم من السلف!
فما الفارق الآن بينك وبين الإنسانوي الذي يحتج عليّ بقواعد وأحكام ما أنزل الله بها من سلطان فقط لأنها شائعة مشتهرة اليوم يقبلها الذوق العام! وما الفارق بينك وبين السفسطائي الذي ينكر الدليل الصحيح في نفسه ويكابر عليه في مقابل اتباعه للفيزيائيين ويعرض عن الدليل!
أليس هذا ما علمتنا إياه في ردودك على الشبهات في السنوات الماضية!
هذه كلها واحدة!
الثانية: أنك تقول بتكافؤ الأدلة وعدم كفاية الدليل السمعي، بل ولا حتى ردود السلف على الجهمية، فإن الدليل الصحيح في نفسه عندك الذي يجب أن يقنع كل عاقل سليم النفس يفهمه عندك لا يوجب قيام الحجة!
فإنك تقول ان هناك علماء أعلام كبار وقفوا على هذه الأدلة حتمًا ولم يجدوا فيها ما يدلهم على الحق، فما تفعل إن أثبتنا لك أن كثير من هؤلاء الذي تعدهم أئمة لك قد أقروا بأن اثبات العلو مثلًا هو مذهب أهل الحديث، ولكنه خالفه وجنح لمذهب “أصحابه” فما قولك بهذا!
ما قولك بعالم الحديث والأثر ثم يأتي ويكفر مثبت العلو وذلك نقيض منهج السلف الذي كفر من ينكر العلو لا العكس!
فهذا هو عين تكافؤ الأدلة، فإن كان الدليل الصحيح في نفسه لا يقيم الحجة على جميع العقلاء سليمين النفس غير المكابرين فهذا هو عين مذهب نسبية المعرفة الذي يقول بها المخالفين لكم من الإنسانويين والعلمانيين، فما أنتم فاعلون إن قلنا لكم أن هؤلاء أساسًا كثير منهم اعترف أن العلم بالعلو هو علم ضروري يقود العقل العامة للاعتقاد به ومع ذلك كابروا كل ذلك وكذبوه!
يا قوم استخدموا نفس ادلتكم في النقض على السفسطائيين في الرد على أنفسكم أولًا.
والآن نأتي لصلب المقال بعد تلك المقدمة الطويلة وقد تعمدت تطويلها حتى أبين وجه صراعنا مع اللا أدرية وهو نظرة نقدية لبعض أطروحات المدعو أحمد السيد التي تسبب الشك والوسوسة!
اتهمتنا بالغلو والجهل واصابة الطلاب بالوسواس القهري فهل منهاجنا هو الذي يصيب بالوسواس أم منهجك!
احتمل ردّنا فأنت من شققت الصف وبدأت تضرب فيمن تعدهم معك في نفس الخندق وقد فتحت لنا الباب لذلك إذًا!
والله إنني لأكره أن أرد عليك، ولكن الحق أحب، ونحن كنا قد سكتنا عليك لأدبك بعموم فنستحي أن نرد عليك بالاسم أما الآن فلا..
بسم الله الرحمن الرحيم، لنبدأ باستعراض هذه المواضع من كتبك
قلت في كتاب إلى الجيل الصاعد: في تقعيدك للتفكير الناقد ص38
اشتراط الدليل لقبول الدعوى: إن الدعاوى لا تساوي شيئًا ما لم يقرنها أصحابها بأدلة تثبت صحتها فحين يقول قائل: إن هذا الأمر وقع في التاريخ أو إن هذا الحكم منسوب إلى الشرع؛ ونحو ذلك، فإن هذا القول وحده لا يُثبت شيئًا ما لم يكن معه دليل يدعم هذا الادعاء.
وقلت في سابغات ص53:
“يجب ألا يكون لأي معلومةٍ قيمةٌ تستحق النظر والنقاش، ما لم تكن تتوفر على أدنى درجات التوثيق العلمي وأما إن كانت مُرسلةَ لا زمام لها ولا خطام فالموقف الصحيح تجاهها هو الردّ وكذلك ربما تكون المعلومة صحيحة، ولكن الاستدلال بها على المطلوب غير صحيح؛ فيجب أن يدقق الناقد في الكلام ويتفحصه ولا يضطرب لمجرد إيراد معلومة لا تصمد أمام النقد العلمي”
وقلت في كتاب التفكير الناقد للجيل الصاعد ص18:
وإن قال: “الله غير موجود” فيمكننا أن نقول له أيضاً: “الله موجود” وهكذا لا يصبح أي من القولين أدعى للقبول من الآخر.
إذاً.. السؤال الأول الذي يجب أن نطرحه عند مناقشة أي فكرة هو: أين الدليل على ما تقول؟ هات دليلك كي أناقشك.
قلت: أليس هذا يا أستاذ هو عين منهج الدليليين! بل وعلى أحسن حال الدليلين التأسيسيين الديكارتيين؟!
تلقن تلاميذك أن يشكوا بكل دعوى ويطالبوا بالدليل عليها أيّا كانت دون أن نبين في أي موضع من مواضع ذكرك لهذه الأدلة أن هناك أمور ضرورية في نفسها لا يرد عليها الشك ولا المعارض ولا تفتقر إلى النظر والاستدلال وإلا لزمك التسلسل ولزمك الدور حيث إن صحة قاعدتك نفسها التي تطالب أنت بالتدليل عليها لأنها حتمًا داخلة في كلامك هي دليل صحة نفسها وواقع بالتناقض لأنك تطلب الدليل على كل شيء ثم تجعل قاعدة طلب الدليل على كل شيء نفسها لا تفتقر إلى برهان قبلها يثبتها ويؤسس اليقين بها في النفس.
ألست تتهمنا نحن أننا نسبب الوسواس لطلبة العلم والله يشهد أن كثير من طلبة العلم ما زال عنهم الوسواس إلا حين سمعوا منا وتركوا طريقتكم الفلسفية الجدلية السفسطائية هذه وكثير من قرائي الآن يشهدون على ذلك والحمد لله رب العالمين.
فإن أقررت بوجود ضرورات بنفسها مع أنك لم تبين في هذه المواضع التي قد يضيع بسببها طالب العلم ويصاب بالوسواس والشك في كل الدعاوى حيث إن المطالبة بالدليل لا تكون إلا بعد الشك في صحة المستدل عليه!
لزمك بنائًا على ذلك أن تقدم الدليل أساسًا على وجود الفطرة وضرورية الضرورات وفتحت الباب لخصمك الملحد بأن يستطيل عليك كما رأينا ذلك جلّيا في قولك الذي يخالفه كل أهل السنة والجماعة:
“وإن قال: “الله غير موجود” فيمكننا أن نقول له أيضاً: “الله موجود” وهكذا لا يصبح أي من القولين أدعى للقبول من الآخر.”
أصارت دعوى الإيمان عندك تتساوى من حيث المبدأ والنظر مع دعوى الإلحاد! أما تعلم أن قول أهل السنة والجماعة هو أن الإيمان فطرة وعلم ضروري لا يرد عليه معارض عقلي في النفس إلا أن يكون هوى يجعل النفس تكابر وتعاند الاعتراف والانقياد لهذه الفطرة والعلم الضروري!
أليس قولك هو عين قول المتكلمين المعلوم كم ذمه اهل السنة والجماعة وأبطلوه وهو إيجاب النظر على المكلفين حتى يكون إيمانهم صحيحًا مسوّغًا يقينيّا!
ولا تقل إن هذا في مجاري الجدل فأنت تعلم طلاّبك في هذا المقال “التفكير الناقد” وليس الحجاج والجدال!
قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {الأعراف: 172}
وقال: قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى ٱللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىٰٓ أَجَلٍۢ مُّسَمًّى ۚ قَالُوٓاْ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَٰنٍۢ مُّبِينٍۢ
وقال: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ
عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: ((ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا؛ كل مال نحلته عبدا حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا)).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء، ثم يقول أبو هريرة -رضي الله عنه- فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم.
وجاء في الحديث: عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- مرفوعاً: «إنَّ اللهَ يقول لأهونِ أهلِ النارِ عذابًا: لو أنَّ لك ما في الأرضِ من شيءٍ كنتَ تفتدِي به؟ قال: نعم، قال: فقد سألتُك ما هو أهونُ مِن هذا وأنت في صُلْبِ آدمَ، أنْ لا تُشْرِكْ بي، فأبيتَ إلَّا الشِّركَ».
ونحن هنا لا نستدل على وجود الفطرة في نفوس بني آدم ابتداء فهذا أمر معلوم بالضرورة والقرآن والسنة أشار لوجود هذا وأقرّه ولم يؤسسه بالنفس كما هو معلوم!
قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى
فما من موجود معين إلا وحكمه بعلم تعينه أظهر وأقوى من العلم به عن قياس كلي يتناوله فلا يتحصل بالقياس كثير فائدة؛ بل يكون ذلك تطويلا. وإنما استعمل القياس في مثل ذلك لأجل الغالط والمعاند فيضرب له المثل وتذكر الكلية ردا لغلطه وعناده بخلاف من كان سليم الفطرة.
مجموع الفتاوى (9/ 222)
يقول الحافظ العلامة ابن القيم: “سمعت شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية – قدس الله روحه – يقول: كيف يطلب الدليل على من هو دليل على كل شيء؟
قال ابن تيمية – رحمه الله – في درء تعارض العقل والنقل (8/491) :” ثم قال { أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون } ذكر لهم حجتين يدفعهما هذا الاشهاد
إحداهما { أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين } فبين أن هذا علم فطري ضروري لا بد لكل بشر من معرفته وذلك يتضمن حجة الله في ابطال التعطيل وان القول بإثبات الصانع علم فطري ضروري وهو حجة على نفي التعطيل
والثاني { أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم } فهذا حجة لدفع الشرك كما أن الأول حجة لدفع التعطيل فالتعطيل مثل كفر فرعون ونحوه والشرك مثل شرك المشركين من جميع الأمم
وقوله { أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون } وهم آباؤنا المشركون وتعاقبنا بذنوب غيرنا وذلك لأنه لو قدر أنهم لم يكونوا عارفين بأن الله ربهم ووجدوا آباءهم مشركين وهم ذرية من بعدهم ومقتضى الطبيعة العادية أن يحتذى الرجل حذو ابيه حتى في الصناعات والمساكن والملابس والمطاعم إذ كان هو الذي رباه ولهذا كان ابواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ويشركانه فإذا كان هذا مقتضى العادة الطبيعية ولم يكن في فطرتهم وعقولهم ما يناقض ذلك قالوا نحن معذورون وآباؤنا هم الذين اشركوا ونحن كنا ذرية لهم بعدهم اتبعناهم بموجب الطبيعة المعتادة ولم يكن عندنا ما يبين خطأهم
فإذا كان في فطرتهم ما شهدوا به من أن الله وحده هو ربهم كان معهم ما يبين بطلان هذا الشرك وهو التوحيد الذي شهدوا به على أنفسهم فإذا احتجوا بالعادة الطبيعة من اتباع الاباء كانت الحجة عليهم الفطرة الطبيعية العقلية السابقة لهذه العادة الابوية
كما قال صلى الله عليه وسلم
كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه فكانت الفطرة الموجبة للاسلام سابقة للتربية التي يحتجون بها وهذا يقتضي أن نفس العقل الذي به يعرفون التوحيد حجة في بطلان الشرك لا يحتاج ذلك إلى رسول فانه جعل ما تقدم حجة عليهم بدون هذا
وهذا لا يناقض قوله تعالى { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } سورة الاسراء 15 فإن الرسول يدعو إلى التوحيد لكن أن لم يكن في الفطرة دليل عقلي يعلم به إثبات الصانع لم يكن في مجرد الرسالة حجة عليهم فهذه الشهادة على أنفسهم التي تتضمن اقرارهم بأن الله ربهم ومعرفتهم بذلك وان هذه المعرفة والشهادة أمر لازم لكل بني آدم به تقوم حجة الله تعالى في تصديق رسله فلا يمكن أحدا أن يقول يوم القيامة اني كنت عن هذا غافلا ولا أن الذنب كان لابي المشرك دونى لانه عارف بان الله ربه لا شريك له فلم يكن معذورا في التعطيل ولا الاشراك بل قام به ما يستحق به العذاب
ثم أن الله بكمال رحمته واحسانه لا يعذب أحدا بعد ارسال رسول اليهم وان كانوا فاعلين لما يستحقون به الذم والعقاب كما كان مشركو العرب وغيرهم ممن بعث اليهم رسول فاعلين للسيئات والقبائح التي هي سبب الذم والعقاب والرب تعالى مع هذا لم يكن معذبا لهم حتى يبعث اليهم رسولا”
قال ابن تيمية رحمه الله مبينًا أن العلم الضروري الفطري لا يمكن أن يزول إلا بعلم ضروري فطري يناقضه ويزيله وهذا ممتنع او بعلم نظري لا يساويه من حيث قوة الثبوت وهذا ايضا ممتنع:
بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية ط-أخرى (2/ 10)
وكيف تكون النتيجة المثبتة بمثل هذه المقدمات دافعة لتلك القضايا الضروريات.
وهذا الذي قد نبه عليه في هذا المقام: كلما أمعن الناظر فيه وفيما تكلم أهل النفي فيه: ازداد بصيرة ومعرفة بما فيه فإنه لا يتصور أن يبني النفي على مقدمات ضرورية تساوى في جزم العقل بها مقدمات أهل الإثبات الجازمة لفساد نتيجتهم وهو قولهم: إنه موجود لا داخل العالم ولا خارجه جزما لا يساويه فيه جزم العقل بالمقدمات التي تبنى عليها هذه النتيجة الثابتة امتنع أن يزول ذلك الجزم العقلي الضروري بنتيجة ليست مثله في الجزم.
وهذا الكلام قبل النظر في تلك المقدمات المعارضة لهذا الجزم: هل هي صحيحة أو فاسدة وإنما المقصود هنا أنه لا يصح للمناظرة ولا يقبل في المناظرة أن يعارض هذا الجزم المستقر في الفطرة بما يزعمه من الأدلة النظرية وهذا المقام كاف في دفعه وإن لم تحل شبهاته كما يكفي في دفع السوفسطائي أن يقال: إنما تنفيه قضايا ضرورية فلا يقبل نفيها بما يذكر من الشبهة النظرية.
وقبلها بصفحة
“فإذا كان كل من أذكياء النظار وفضلائهم يقدح في مقدمات دليل الفريق الآخر الذي يزعم أنه بنى عليه النفي كان في هذا دليل على أن تلك المقدمات ليست ضرورية إذ الضروريات لا يمكن القدح فيها وإن قيل إن هؤلاء قدحوا في هذه المقدمات قيل: فإذا جوزتم على أئمة النفاة أن يقدحوا بالباطل في المقدمات الضرورية فالتي يستدل بها أهل الإثبات أولى وأحرى.”
——
قال ابن القيم في نونيته:
كل إذا ما نابه أمر يرى … متوجها بضرورة الإنسان
نحو العلو فليس يطلب خلفه … وأمامه أو جانب الإنسان
ونهاية الشبهات تشكيك وتخميش … وتغبير على الإيمان
لا يستطيع تعارض المعلوم والـ … معقول عند بدائه الإنسان
فمن المحال القدح في المعلوم … بالشبهات هذا بين البطلان
وإذا البدائه قابلتها هذه … الشبهات لم تحتج إلى بطلان
شتان بين مقالة أوصى بها … بعض لبعض أول للثاني
ومقالة فطر الإله عباده … حقا عليها ما هما عدلان
[ابن القيم ,نونية ابن القيم = الكافية الشافية ,page 74]
فكيف يستوي عندك دعوى من يقر بوجود الله سبحانه خالق الأنفس والآفاق في أبدع وأحكم ما يكون، ودعوى الجاحد المستكبر.
قال تعالى: (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون * أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون)]
وقال: رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ﴿7﴾ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ﴿8﴾ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ
والحق أن يقال لهذا الجاحد المستكبر ما لم يكن لنا حاجة ماسّة في جداله والنقض عليه وإلزامه بالاعتراف بالحق الذي عندنا والذي يعلم بباطن نفسه أنه حق نخوفه من ربه ومن عاقبة هذا الاستكبار الذي هو فيه:
(قَالَ لَهُۥ صَاحِبُهُۥ وَهُوَ يُحَاوِرُهُۥٓ أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِى خَلَقَكَ مِن تُرَابٍۢ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍۢ ثُمَّ سَوَّىٰكَ رَجُلًا)
فهل فهمت الآن منبع الشك والوساوس عند تلاميذك ومريديك؟
ثم أنت تصدهم عن اتباع منهج السلف مع المخالفين، وتنهاهم عن السماع لمن ينقل مباشرة لهم من السلف ولسان حالك يقول منهج السلف أسلم ومنهج الخلف أعلم وأحكم لما فيه من اجتماع الأمة وفرط الإعذار!
ولازم منهجك اتهام السلف بالغلو وتفريق الأمة تحت ما لا طائل له!
فلسان حالهم يقول مجازًا: فمن هو الله وما هي صفاته حتى نفترق فيما بيننا لأجله! تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، بل الله سبحانه وتعالى هو الأساس في الدين وإن كل خلاف بعد هين!
فإن كانت الحجة فيه وفي صفاته وهو أساس العقيدة لم تقم على كبار العلماء والأئمة في زعمك ففي أي شيء تقوم؟! إذا ما عاد لتدريس العقيدة الصحيحة أي فائدة إذ الكل في الجنة ويختلط الحابل بالنابل وإن كان يستوي في العذر العالم والجاهل والداعي والساكت فلا داعي أن نوجع رؤوسنا في تعليم العقيدة للناس فأمرها هين وسهل والباب في العذر فيها واسع حتى للمعلوم من الدين والعقل بالضرورة ككثير من الصفات التي نفاها الجهمية الأشعرية على رأسها العلو!
ثم لا يلزم إن كنا قد استفدنا من شيء من علومهم ألا يكونوا خاضعين للتبديع أو التكفير ونقول فيهم كما تقول إن في ردود على العلموية: الاستفادة من العلم الغربي الحديث بشيء لا يعني قبوله كلّه! فهل تنسى ما تعلمه لتلاميذك!
فها أنت سلمت للعلمانيين والحداثيين والمبتدعة المتعقلنين بكثير من المقدمات التي بيننا تسليمك لها مثل:
1: الحق يضيع بين الكثرة، بل وإن كان لنا حجة فهي احتجاج بالكثرة والشيوع المجتمعين، فالمجهور قد تكفره، والمشهور تعذره! و: الاحتجاج بالأسماء والعلماء لإبطال دليل صحيح في نفسه
2: نسبية المعرفة والضرورات وافتقار كل دعوى إلى برهان يسبقها حتى يكون لها قيمة مهما كانت واضحة جليّة!
3: اعتقاد أن القراءة للسلف شر وأن الإنسان يتطور ويترقى والمجتمعات البشرية كذلك مع الزمن وأن العودة لما كان عليه السلف من التشديد مع المخالفين ما عاد ينفع لهذا العصر وأن الاحتجاج بفطرية الدعاوي هذا لم يعد عقلًا ناقدًا!
4: اعتقاد أن محض دعوى التكفير والتبديع هي أساسًا خطر وأن الباحث فيها لا يعذر ويذم على خطأه أكثر من ذم هؤلاء العلماء نفسهم على إنكارهم للمعلوم من الدين بالضرورة وواضح النفس الإنسانوي في هذا!
5: وبعد كل هذا تدريسك لسفسطات الفلاسفة في نظرية المعرفة فيما لا طائل ورائه سوى نشر وساوسهم بين الطلاب فيما لا طائل تحته، واعتقادك أن العقلاء يحتاجون لتعلم نظرية المعرفة حتى تسلم لهم علومهم كما هو اعتقاد المناطقة! وهذا ما ذمه السلف أشد الذم ومن تبعهم من علماء الأمة.
6: التبعية والتعظيم لكل من تستفيد منه في شيء وهي مقدمة العلموية: العلم التجريبي يفيد الإنسان إذا هو صحيح في كل ما يقول!
7: قاعدتك التي قعدها هي نفسها في كل موضع تحدثت عن التفكير الناقد وصلت بك إلى إيجاب النظر على المكلفين كما وقع به المتكلمين!
ثم أنت بابتعادك عن الحكم على المخالف والمبالغة في اعذاره فوق الحد، هذا فيه قتل للنفس الاستعلائي بالدين فأنت دائمًا تعتقد خفاء الحق فعلا على خصمك وافتقاره لدليل وبرهان يقنعه وأنه إن لم يقتنع فهذا لا يدل على مكابرة إن كان الدليل صحيحًا واضحًا في لغة الخطاب، بل أنت تفترض فيه من الأساس أنه باحث عن الحق مهما كان الحق الذي يماري فيه واضحًا مستقبحًا في أول العقل جحده!
فيصبح الطالب محصورًا إما بالتشكك في نفسه وأسلوبه وطرحه للدليل أو في الدليل نفسه! وإلا فإنه لا يجرئ على الحكم على الخصم بأنه مكابر جاحد، بالذات إن كان عالمًا ذكيّا مشهورًا!
والله المستعان والهادي إلى سواء السبيل
راجع للفائدة والاستزادة:
1: كتاب العقل والحجة عند أهل السنة والجماعة، أ.د.م أبو الفداء ابن مسعود حفظه الله.
2: سلسلة التحذير من السلفية الفلسفية قناة اقناع
3: سلسلة التحذير من الجهمية العصرية قناة اقناع
4: الرد على من زعم أننا نقول إن كل الأدلة العقلية على وجود الله لا تصلح للاحتجاج – الجزء الأول قناة اقناع
5: سلسلة في علم نفس الالحاد قناة اقناع
6: ملخصات اللوح الأبيض | لماذا ذم السلف الفلسفة؟ قناع اقناع
7: مقدمة في تكافؤ الأدلة قناة أبو جعفر الخليفي
8: علاقة الإنسانوية بالوسواس قناة أبو عائشة سامي هوايري
9: المحاضرة الرابعة من سلسلة غاية المرام في تطهير أصول الفقه من بضاعة الكلام قناة اقناع
10: تحرير مذهب ابن تيمية في المعارف القبلية ونقد دعوى أن القول بها قول الجهمية أبو جعفر الخليفي
انتهى
كتبه: الغيث الشامي (أبو عبادة) ستر الله عيوبه
9 12 2021