العلم الطبيعيفلسفة العلوم

هل مفهوم الثوابت الكونية عند الطبيعيين يوافق مفهوم السنن الإلهية؟

جواب سؤال حول "تنظير الطبيعيين في ما يسمى بالثوابت (الكونية)"

يقول الأخ السائل وفقنا الله وإياه:

“ولم لا تقول ان السنن الكونيه في صورة الثوابت الكونيه قد قدرها الحكيم الخبير بقدر وما ترى فيها من تفاوت ولا تلزم نفسك بلازم الامر انه لولا كذا لكان كذا
فتستدل على الحكيم من اثاره حكمته وتقديره
لاحظ انا لا اجادل ولست اهلا للجدال وانما هى لفته”

قلت في الجواب :

أخي الكريم لا نقول بذلك لعدة أسباب:

❁ أولاً: لأن هذه السنن عندنا هي طبائع الأشياء والأوامر التي ينزلها على الملائكة لحفظ طبائعها بها وكل شيء له سنة تخصه بعينه فلا يمكننا ان نأخذ سنن بعض الكون ونعممها على ما نجهل ونجعلها طبيعة للكون كله هكذا بغض النظر عن طبائع الأشياء المعينة! وكأنها آلهة تحكم الكون أو أنها معادلات رياضية عملاقة قائمة بذاتها تحكم العالم بأسره كما هو تصور كثير من الطبيعيين اليوم!

فقد يكون له سنة مطردة ايضا له بحسبه كما ان سنة الله في الكائنات الحية مختلفة في جوانب عن سنته في الجمادات
وسنته في السماء الاولى مختلفة عن الثانية ومختلفة عن الجنة والنار
فليس كونها لا تفاوت بها بمعنى انها تنطبق على كل ما هو موضوع لها (اي داخل نوعا في الامر الالهي والارادة الالهية المخصوصة لهذا النوع بان يكون على الحال الفلاني) يقتضي تشابه نفس المجموعة المعروفة من السنن في كل زمان ومكان وهذا اصلا مخالف للواقع اذ لم نزل نكتشف اوجه جديدة لحالات جديدة ينطبق فيها القانون المعين بصور مختلفة بحسب المتغيرات المخصوصة للحالة المدروسة ومثال ذلك انطباق الجاذبية على الجسم القريب من الارض وعلى الجسم الذي يسقط سقوط حر ويدور مع الغلاف الجوي.

❁ ثانيًا: قولك: “أن الله خلق كل شيء على سنة واحدة أو مجموعة السنن التي نعرفها فقط وأن الأمر لابد أن يكون كذلك حتى لا يكون في خلقه تفاوت ونقص وأن لا يخلق شيء بسنن مختلفة (تخصه ولا تعارض سنن الاشياء المختلفة له بل يحصل من التفاعل بين السنتين ما الله به عليم ويكون هناك سنة ثالثة للعلاقة بينهم والتداخل) أن هذا يعارض الحكمة وكمال تقدير الصنعة وإلا للزم قول الغزالي وهو أنه ليس في الامكان أبدع مما كان، فعلى هذا القول يكون الله قد خلق سنة واحدة مطردة بصورة متماثلة على كل شيء وكل زمان ومكان مطلقا وكل مخلوق بحيث لا معنى ان تتغير او ان يخلق الله سنة جديدة مخالفة لها او سنة قديمة سابقة عليها الا ويكون في خلقه تفاوت وطالما انه منزه بالضرورة عن هذا على هذا القول فاذا لابد ان الصورة الحالية للكون على سننه الحالية هي الصورة الضرورية للواقع وليس في الامكان ابدع مما كان لاستحالة ذلك عقلا!

❁ ثالثًا وأما قولك أخي الكريم: فإن كونها على الصورة التي ذكرت دليل على الحكمة فليس الحكمة في المساواة كما تعلم كما أنه ليس العدل فيها!
إنما الحكمة أن يضع الشيء في موضعه المناسب له بخصوصه وأن يحكمه للغاية التي خلق لأجلها بخصوصه فلا يقصر عن أداة الوظيفة المخصوصة التي خلق لأجل ان يؤديها وهذا نراه جليا في كل شيء يعمل للغاية التي خلق لاجلها عملًا دؤوبا وهذا لا يناقض التنوع في الخلق وكثرة السنن الكونية المتداخلة علمنا ما علمنا وجهلنا ما جهلنا، بل على هذا التصور السني الصحيح يكون ذلك اية على الحكمة وطلاقة العلم والقدرة كذلك، فتأمل.
وكذلك لا نقول بذلك لاننا لا نخوض بعقولنا وقياسنا في حكمة الباري في افعاله وهل يجب ان يخلق العالم غائبه وشاهده كله على نفس الصورة المعروفة لنا في هذا الجزء المشاهد او لا حتى يصح ان يوصف اساسا بانه حكيم!

انتهى الجواب بعون الله وتوفيقه.

#الغيث_الشامي

الغيث الشامي (أبو عبادة)

أبو عبادة، أثري، دمشقي، شغوف بعلوم الاعتقاد، مهتم بنقد الفلسفات الهدّامة قديمها وحديثها حفيد الدارمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى