ما الذي نرفضه وما الذي نقبله من الكتب الغربية الفلسفية غير الإسلامية المترجمة في مسائل الإلهيات؟
قال الإمام ابن سيرين رحمه الله: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ” رواه مسلم.
مقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وأهل بيته وأصحابه الطيبين الطاهرين والتابعين والقرون الثلاثة الأولى المفضلين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فقد وجّه إليّ الإخوة بارك الله فيهم سؤالًا ينمّ عن اهتمام في مصادر طلب العلم في العقيدة وما يخصها ويتقاطع معها من أبواب عظام
فكما قال الإمام محمد بن سيرين رضي الله عنه ورحمه: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.
فلما كانت هذه السنة المتبعة عند كلِّ من أراد أن يصيب منهج وطريق أهل السنة والجماعة وما نجى به الأولين بنية صادقة، كان لزامًا على من يعلم ما في هذه الكتب أن يحذر من باطلها ويبين الموقف الصحيح منها من باب النصح في الدين لوجه الله.
قال الله تعالى: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)
فإن الآفة الكبرى بمثل هذه الكتب أنها ما صنفها أهلها أساسًا إلا لتكون مدخلًا عامًّا أو تفصيليّا لما يسمى بفلسفة الإلهيات، تقدم نفس نوع الأدلة التي يرتضيها منهم الفلاسفة الأكاديميين الدهريين الطبيعيين على ما يشترطونه من جريانهم على المنهج الجدلي السوفسطائي في تقديم الأدلة وحدود إفادتها لليقين والنظرية المعرفية التي تنطلق منها (أي ما جرّهم إليه المنهج الجدلي السوفسطائي من نفي المعارف الفطرية الغنية عن الاستدلال) وما التزموه من منهج الدليلية الفلسفي.
ومن تسليمهم بالمسلمات الدهرية الأربعة التي سلم بها الطبيعيون، بل هي عين دهريتهم:
• التساوي الزماني المطلق في الموجودات من حيث نوع الأسباب والحوادث الناتجة عنها (كلها طبيعية تقاس على ما في الطبيعة من طبائع مشهودة من الحيز المشاهد من السماء والأرض في عادتنا)
• التساوي المكاني المطلق كذلك في نفس الأمر
• التساوي في البنية والتركيب في كل الموجودات أو في المعاني التجريدية الميتافيزيقية الكلية (مثل الحركة – القوة – الحياة – التأثير – المكان – الزمان)
• امكان تحصيل المعرفة بالغيبيات مطلقة التغييب من طريق العقل والحس استقلالًا عن الوحي الإلهي وهو لازم من لوازم المسلمات الثلاثة المذكورة أعلاه.
• وأخيرًا أنه ليس في الفطرة العقلية ما يدل على وجود جنس الغيب نوعًا أو ما يدل على حدوث الكون أو وجود من خلقه أو أنه مخلوق مربوب بالأساس لغاية وعلى نظام من الأساس!
• المنهج الجدلي السفسطائي: وهو طرح كل القضايا مهما كانت تتسم بالبداهة والجلاء والضرورة في نفوس العقلاء إلى المحاسبة والمسائلة بالإيرادات النظرية وتطلب الأدلة عليها بحسب نوع الدليل التي ترتضيه الأكاديمية الفلسفية “العلمية” في زمنهم، فسابقًا كانوا يشترطون القياس القبلي الأرسطي واليوم لا يرتضون إلا دليل يقوم على استقراء وتأويل للمشاهدات، لكنهم يشتركون بإنزال جميع المعارف منزلة العلوم النظرية التي يرد عليها المعارض مبدئيّا وخاضعة تمام الخضوع للجدل الفلسفي والأخذ والرد ولا يحق لك ادعاء أن أي مسلمة تقوم في نفسك أنها ضرورية وبديهية لا تخفى على عاقل سليم العقل، ولو كان يعرف صحتها بمجرد فهم الألفاظ التي تعبر عنها، فهذا يعتبرونه دغمائي ولا يحق لك أبدًا اتهام أحد بأنه مكابر للحق والضرورة بل عليك أن تعتبره باحثًا جاد عن الحق خفي عليه الأمر بل ولديه وجهة نظر معتبرة وأدلة مضادة عليك أن تناقشها وترد عليها بمثل نوعها وإلا اتهموك بخفة العقل وإيمان المقلدين والله المستعان.
وهذه المسلمات هي التي تجعلهم لا يقبلون الكلام عن أي حدث طبيعي دون تفسير طبيعي و”دليل من جنس أدلتهم التي يقبولنها وبالصياغة التي يعتمدونها لتقديم الأدلة” مهما كان هذا الحدث غيبي بعيد جدّا عن الأحداث التي اعتدنا عليها في طبيعة الكون المشاهدة ونظامها كحادث نشأة الأشياء المخلوقة كلها وطبائعها التي توصف بها أو نشأة الكائنات الحية، فكما هو معلوم فإن معرفتك كيف يعمل النظام لا يفيدك بمعرفة كيف نشأ هو نفسه! بل إن القوانين الرياضية واللغوية التي نصيغها ما هي إلا توصيف لمقدار ما شهدناه من طبائع الأشياء والنمطيات النظامية السببية التي نتوقع وجودها أصلا بنائًا على اعتقادنا ان الله سخر هذا العالم لنا وضبطه واحكمه بإتقان ونظام وكمال للغاية التي خلق لأجلها عرفناها أو لم نعرف، ومهما كانت الدعوى التي تقدمها بديهية ضرورية في نفسها.
بل إن منهم من وصل للتشكيك بوجود الطبيعة نفسها كأصحاب تأويل كوبنهاجن لميكانيكا الكم وبعض المخرفين الدهريين الذين قالوا بتساوي السالب والموجب في الطاقة الكونية وما إلى ذلك من هذه السفسطات، وقدموها بصيغة طبيعية محضة كلها اعتمدوا بها اقيسة على نوع من أنواع المشاهدات أو تأويلاتهم هم للمشاهدات راكموها تأويل فوق تأويل وخرافة فوق خرافة ليشيدوا أعقد نظام اعتقادي خرافي عرفه التاريخ يكون تاجًا للنتاج الفلسفي الذي دام مستمر ثلاثون قرنًا من ضلال إلى ضلال.
تابعهم على ذلك الجهمية المنتسبون للقبلة (المتأسلمون) وأمثالهم من اللاهوتيين من أهل الملل الكتابية الأخرى.
فتجد الواحد منهم ينظر في عصره أي دليل يرتضيه الدهري؟ هل أن آتي بنظرياته التي اعتدى بها على الغيب المطلق بالقياس على مافي الشاهد والافتراضات التي لا مستند لها من العادة أبدًا والأقيسة الفاسدة التي لا تفيد علمًا بالمطلوب أبدًا ولا وجه للعلم بإمكان القياس أصلا فضلًا عن قياس نشأة الشيء على طريقة ونظام عمله فهذا يوجب العقل اختلافه أساسًا، يجعلها مقدمات لأدلة حدوث ويقيس أفعال الرب سبحانه على الأفعال البشرية أو يعطله عنها بالكلية أو عن بعضها أو يتكلم فيها نفيًا واثباتا بغير علم كما ألفناه من المتكلمين سابقًا وإلى اليوم.
أو يعمد إلى التنظير الميتافيزيقي “الغيبي” بحصر المعاني الكلية بالكيفية التي توجد فيها بطبائع الأشياء الموجودة وإعمال القياس العكسي (على مبدأ إن كان شيء يشبه شيء من وجه فيجب أن يشبهه من كل وجه!) وتجده يغرق في تشييئ المعاني الذهنية الكلية ويجعلها أعيان قائمة بنفسها بالخارج لا يتصف موصوفًا بها بالخارج إلا يكون راجعًا لكيفيتها هي لا أنها هي التي تنطبق عليه بالكيفية التي تليق بذاته كما يجده كل عاقل بداهة في عقله!
وعلى شاكلة هذا تجد أغلب هذه الكتب إذا تكلمت بالطريقة الفلسفية الميتافيزيقية تستخدم أدلة مثل حدوث الزمان والمكان كأنهم أشياء عينية وجودية وليست مجرد معاني تصف علاقات بين الأشياء مثل علاقة الشيء الذهنية بما قبله أو بعده أو بماضيه وحاضره ومستقبله وكذلك الشيء وما هو يمينه أو يساره أو فوقه أو تحته، أو يفرقون بين الصفة والموصوف تفريًقا حقيقيّا خارج الذهن كما فعل أرسطو في نظرية الهيولى والصورة او المتكلمون في نظرية الجوهر والعرض، والهدف والغاية واحدة من أيام الجهم حتى الآن وهي الرد على الملاحدة، لكن بشرط، أن يكون الدليل كما يشترطه الفيلسوف مبنيّا على أحدث ما توصلت له الفلسفة في عصره سواء أسموها “العقل” أو “العلم” فيجعون الإذعان لها هي غاية كمال العقل والعلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ورضي عنه في كتاب النبوات:
“وإن استدلّ على ذلك بغير الآيات والأدلة التي دعا بها النّاس، فهو مع كونه مبتدعاً، لا بُدّ أن يُخطئ ويُضلّ.
فإن ظنّ الظانّ أنّه بأدلة وبراهين خارجة عمّا جاء به تدلّ على ما جاء به، فهو من جنس ظنّه أنّه يأتي بعبادات غير ما شرعه تُوصل إلى مقصوده.
“وهذا الظنّ وقع فيه طوائف من النظّار الغالطين1، أصحاب الاستدلال والاعتبار والنظر؛ كما وقع في الظنّ الأول طوائف من العبّاد الغالطين، أصحاب الإرادة والمحبّة والزهد”.
وقوله صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم الجمعة: “خيرُ الكلامِ كلامُ اللهِ، وخيرُ الهَدْيِ هديُ محمّد، وشرُّ الأمورِ مُحْدَثاتُها، وكلُّ بدعةٍ ضلالة” يتناول هذا وهذا.
وقد أرى الله تعالى عبادَه الآيات في الآفاق، وفي أنفسهم، حتى تبيّن لهم أنّ ما قاله فهو حقّ؛ فإنّ أرباب العبادة، والمحبّة، والإرادة، والزهد الذين سلكوا غير ما أُمروا به، ضلّوا كما ضلّت النصارى. ومبتدعة هذه الأمة من العبّاد، وأرباب النظر، والاستدلال الذين سلكوا
غير دليله وبيانه أيضاً ضلّوا. قال تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّيْ هُدَىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدّاْيَ فَلاْ يَضِلُّ وَلاْ يَشْقَىْ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِيْ فَإِنَّ لَهُ مَعِيْشَةً ضَنْكَاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَاْمَةِ أَعْمَىْ قَاْلَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيْ أَعْمَىْ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيْرَاً قَاْلَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاْتُنَاْ فَنَسِيْتَهَاْ وَكَذِلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىْ}.”
النبوات لابن تيمية (1/ 247)
—
قلت: فإن الاستدلال على ما جاء به الرسول بغير ادلته أو ما هو شرح وتبيان لأدلته لمن لم يفهمها كما فهمها أهل العلم والسلف، فإن هذا يظن أن الله لم يكمل دينه ولم يبعث رسوله ببراهين قوية أو كافية للقيام بالمطلوب من لحظة بعثة الرسول الى قيام الساعة.
والغاية النهائية عند أمثال هؤلاء اللاهوتيين والجهمية هو مجرد اثبات صانع ما!، مهما كان مغرقا في العدمية ومعطلًا عن كل أفعاله، فمنهم من يجعله الآلية التي بدأ بها الكون من نقطة صغيرة ثم ترك ليتسع بعشوائية وجودية، ومنهم من يجعله فقط يتدخل ليصحح السير التطوري للكائنات الحية كآلية إضافية لآليات داروين التطورية، ومنهم من جعله صانًعا يجري في ملكه ما لا يريد ودون أي خطة أو حكمة أو علم بأفعال العباد قبل فعلهم لها لينزهه عن الجبر أو خلق الشر ردّا على ما يسمى “بمشكلة الشر” التي استطال بها الملاحدة الدهريين على عقيدة النصارى القدرية الواهية القدر والصلب والفداء، ثم أخذت بعض دور النشر تترجم لنا أمثال هذه الكتب بأمانة علمية منقطعة النظير ما شاء الله ينقلون كفريات وشنائع هؤلاء القوم وتخليطهم في العقائد بالجملة والحرف بهيئة كتب جاءت لتنير عقول المسلمين وتعلمهم كيف يردون على الإلحاد، كتب مستوردة من أجود عقول الفلاسفة، ثم يضعون لك في أول الكتاب أن دار النشر غير مسؤول عن ما في الكتاب من معتقدات أو مخالفات، بالله عليك؟ هل هذا ما ستقوله لرب العالمين؟! هداكم الله يا قوم.
فكما هو معلوم فإن كل ملة عندما ترد على المخالفين يتخلل دفاعاتها بالضرورة ما هو من صلب عقيدتهم، فلا تظن أن القدري النصراني إذا رد على مشكلة الشر سيرد عليها مثل المسلم السلفي صاحب العقيدة السليمة، ولا تظن أن الأشعري حين يرد على المادية وهو ينفي السببية وطبائع الأشياء الذاتية سيرد عليهم كما يرد عليهم المسلم صحيح العقيدة، ولا تظن أن مثبت الصفات سيرد على الملحد كنافيها، ولا تظن أن من ينزه ربه عن الزمان والمكان وما يلزم ذلك من تعطيل صفاته الفعلية والاختيارية والمكان مما يعطل صفاته الحسية العينية سيرد عليه مثل السلفي صاحب العقيدة الصحيحة!.
هذا لا يكون أبدًا، ووالله قرأنا هذه الكتب ونعلم جيدًا بها، فإذا كانت كتب المنتسبين إلى أهل القبلة تعج بالمخالفات الشرعية والعقدية فكيف بكتب النصارى المنبطحين بالكلية للطريقة الجدلية السوفسطائية والمنهج الطبيعي في تلقي العلم عن موجودات العالم المشهود وما ورائه والتنظير على شرط الوجود لا على شرط الحس والشهادة سواء كان شهادة عقلية أو حسية!
فلا هو شاهد بما يشهد به العقلاء بفطرتهم، بل يشوش عليهم ويوجب عليهم النظر انبطاحًا لإقراره لصحة ما عليه الفيلسوف الدهري من ادعاء الجهل بهذه الحقائق الواضحة، ولا هو مقر بالقصور المعرفي الذي يشوب المعرفة الإنسانية إزاء الغيب المطلق وما فيه! بل هو مبتلع للفلسفة الدهرية الطبيعية بتمامها وكمالها، هذا هو حال كثير ممن يردون على الإلحاد، محركهم الأساسي لرد نظرية التطور هو مخالفتها للنص عنده، وليس لأنها من الأساس اعتداء على غيب ما اشهدنا الله إياه واتهامه بالنقص وكأنه يخلق خلقًا ناقصًا بالصدفة والعشواء يطوره من خلق منحط إلى خلق أكمل كما يطور الصانع البشري صنعته يحسنها من بعد جهله بالتحسينات بل وعلى أنقص طريقة وهي دون خطة ونظام على الأقل لهذا التطوير بل قوانين عامة مجملة “تحكم فعله” ما كان فعله ليتم لولا انها كانت على هذه الصورة كما هي أشهر صور دليل الضبط الدقيق “وليس ما يسمى بدليل العناية والاتقان المعروف بفطرة العقلاء انه يذكرهم بخالقهم وكماله وقدرته” بل هو دليل مبني على مقدمات ومسلمات دهرية سبق أن ذكرتها بأول المقال تحكم فعل الرب فتحصره بالصورة الحالية للوجود انه لم يكن ليستطيع أن يخلق مخلوقًا حيّا معقدًا لولا أنه خلق العالم على هذه الصورة تحديدًا والتطويريين أشد انبطاحًا حيث يقولون ما كان ليستطيع أن يخلق المخلوقات ويطورها بالصدفة والعشواء لولا جريان الأحداث نوعًا على الخطة العامة والتي هي القانون الطبيعي الذي اضطر لخلق العالم على صورته هذه لكي يحصل بنائًا عليه الخلق، بل ومنهم من يقر بعقيدة الانغلاق السببي الطبيعي القدرية وهي أن الله اكتفى بخلق هذا العالم على هذه القوانين الكلية العامة وتركه يجري على هيئة تنشئ الكائنات الحية من تلقاء نفسها لأسباب طبيعية تامة كما هي عقيدة انتوني فلو الذي صرح بها في كتبه التي ترجمتها هذه الدور دون تمحيص عقدي سليم لما فيها بتعسف عجيب! يذكرني بدار الحكمة وما حصل في زمن الدولة العباسية من استيراد الكتب اليونانية وترجمتها!
يا قوم والله ما تعلمون ما تفعلونه أنتم من خبط عقائد الشباب، اليوم نقول لهم الله يتكلم متى شاء وكيف شاء فيقول لا تصف الله بـ “المتى” لان الزمكان كله حادث، بل وهذا دليل وجود الرب نفسه عنده فان وصفته بالزمان كان من جملة الموجودات العالقة في الزمكان عنده فوجب عليه بموجب الدليل الذي أسس اعتقاده عليه أساسا ان ينزه الرب عن الأفعال الاختيارية التي تحصل فعل بعد فعل، بل وان ينزه الله عن وصفه بأي صفة زمانية او مكانية كالمجيئ والاتيان والنزول والكلام!
وترى كتابًا ككتاب سامي عامري “براهين وجود الله” الذي نشره مركز دلائل يتحدث عن الله بأنه معالي على الزمن وانه غير متزمّن وأن الزمن “شيء” مخلوق بدليل رد عليه أهل السنة وهو دليل ما تسلسل لم يتحصل، وكلام اينشتاين في الباب الذي يؤخذ منه ويرد! بل إن جدل الشيئيين والعلائقيين جدل فلسفي مشهور عند الغرب لسنا نحن أول من بدعه! فأنت تطالبنا أن نكون مقلدين في الطبيعيات وفلسفة العلوم حتى نقبل منك أدلتك كعامة من يقرؤون لك ويبهرهم زخرف القول الفلسفي، يا قوم أنتم والله صرتم ملكيين أكثر من الملك نفسه! ينزهه بذلك عن الأفعال الاختيارية قبل خلق الزمن!
قال الإمام إسماعيل بن يحيى المزني تلميذ الإمام الشافعي المتوفي سنة 264 للهجرة في متن شرح السنة الذي لخص به عقيدة أهل السنة والجماعة:
“وكلمات الله، وقدرة الله، ونعته، وصفاته ((كلها)) كاملات غير مخلوقات، دائمات أزليات، وليست بمحدثات فتبيد، ولا كان ربنا ناقصًا فيزيد، جلت صفاته عن شبه صفات المخلوقين، وقصرت عنه فطن الواصفين”
وقال الامام إسحاق بن إبراهيم “ابن راهوية” ينزل الله كل ليلة إلى السماء الدنيا كما شاء، وكيف شاء.
وقال تعالى سبحانه عن نفسه ” فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ، وقال تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
وكما أخطا بعض الأخوة هداهم الله في كتبهم فتلبسوا بعقيدة “التدخل الإلهي” القدرية النصرانية!
بينما قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ وقال: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ
ومنهم من أنكر عقيدتنا في التحسين والتقبيح العقليين وهو يتحدث عن معضلة الأخلاق الإلحادية!
بينما قال تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ
وقال {إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الحاقة:33-34ٍ]
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الماعون: 1-3]
وقال: اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ.
ومنهم من جعل الله غير قادر على أن يخلق عالم ليس فيه شر وفيه حرية إرادة بنفس الوقت كما صرح الفيلسوف النصراني فريدريك هيو في كتابه “الله موجود – أدلة فلسفية” الذي ترجمه له مركز تكوين وقدمه له البشير عصام المراكشي! الذي هو نفسه في كتابه “ليطمئن قلبي” يستخدم دليل ما تسلسل لم يتحصل كدليل على حدوث العالم! على مافي هذا الدليل من قياس فاسد وهو دليل التطبيق وليس دليل السببية المعروف حتى لا يخطئ بعض الإخوة المبتدئين وفقهم الله فهمي.
فكثير من هؤلاء الكتاب الغربيين فلاسفة متنطعين أساسًا لو كان بهم خير لكانوا مسلمين غير مثلثين وغير علمانيين!، وكذلك منهم الربوبي التطوري مثل انتوني فلو، والاتحادي مثل روبرت شيلدريك، والمتأثر بالطبيعية المنهجية الدهرية مثل ويليام لين كريغ وفريديك غيو وسوينبرن والفين بلانتينجا مع تظاهرهم بأنهم معارضين للغلو العلموي وهم واقعين به أساسًا بقبولهم الطريقة الطبيعية في تأويل المشاهدات بالدور القبلي جريّا على المسلمات الدهرية الطبيعية.
وبما أن باب الكلام عن الله سبحانه وتعالى وأفعاله هو أهم أبواب التوحيد والعقيدة فلو كان هناك استفادة مرجوة من نقل الحق الذي في قول هؤلاء فينتدب المتخصصين المحققين في العقيدة للقراءة في كتبهم قبل الترجمة كفرض كفاية لمن قامت لديه الضرورة الشرعية لذلك يأخذ منها الحق ويترجمه التزاما بعقيدة أهل السنة والجماعة كبعض الردود على التطوريين أو إبطال أبحاثهم أو بعض الأبحاث والإحصائيات أو النقد لفلسفاتهم مما قد يكون به حق، فينقل بصبغة وصيغة إسلامية محققة بعقيدة أهل السنة والجماعة دون زيادة عن الحد حتى يصير ذلك تنطعًا مذمومًا ويبين أنه في مقام التنزل والنقض والإلزام لا التأسيس والإعلام في العقيدة فإن هذه القضايا ليست هذه الطرق الصحيحة في تأسيسها، حتى لا يصير نوعًا من إيجاب النظر الذي تلبس به الكثيرون دون أن يشعروا
ناهيك عن التخليط الضخم والكبير مثلًا في كتابات محمد باسل الطائي وعمرو شريف ومع ذلك يبقى مثل محمد العوضي يروج لكتبهم وكأنه بحياته ما قرأ شيئًا عن عقيدة أهل السنة
حتى صار الكلام عن الرب سبحانه وتعالى كلامًا فلسفيّا بحتًا بكلام نظري صعب كما كان يحلم الفلاسفة بتصييره، فهم ما أرادوا إلا أن يقولوا لأهل الملل، قلنا لكم إن وجود الله مسألة فلسفية غامضة وأنتم والمليارات من عوامكم مقلدين لستم على شيء ومهما ناظرتمونا ستبقى مسألة نظرية يرد عليها المعارض والدليل والدليل المقابل ولن تنحسم أبدا وتصير ضرورية مهما زعمتهم ذلك، وليس في العقل شيء ضروري يدل عليها دلالة قاطعة عند كل عاقل ولسنا مكابرين بنفينا ذلك.
وهذا هو حلمهم حتى يتسلطوا على عقول البشر ويقولوا دعوكم من دعوة الأنبياء الخفية الصعبة هذه وكيف يتكلم عن الاله هذه المسالة الفلسفية الصعبة راعي الغنم والنجار والحداد؟ خذوها منا نحن الفلاسفة العظماء نفيًا واثباتًا، حتى يخرج لك الخبر على القنوات الإخبارية قبل أيام يقول “لأول مرة” إثبات وجود الله علميًا بكتاب ألفه مجموعة من الفلاسفة والعلماء “يقصدون بالعلماء الفلاسفة الطبيعيون سابقًا” فيجعلون نفسهم هم المصدر المعرفي الأعلى المقدم على جميع من سواهم في الغيب بعموم والالهيات بخصوص والله المستعان.
وهذه الهدية يقدمها لهم المتجهمة والمتفلسفة من أهل القبلة على طبق من ذهب والله المستعان يجعلون كتبهم هي الحل لأزمة الإلحاد الضاربة التي هم جعلوها أزمة صادقة حقيقية لها أسباب عقلية وعلمية “بعد أن عدوا تخاريف الطبيعيين علوم وسبق لهم أنفسهم أن ترجموها بلا تمحيص ولا حد ولا قيد ولا مراجعة مقلدين عميان واليوم هم يعيدون الكرة لكن هذه المرة ليست في فلسفة التجريبيات، بل بفلسفة الإلهيات!” فتأمل وانتبه بارك الله فيك فالأمر جلل ولسنا نقول ذلك جهلًا بما في بطون هذه الكتب فقد محصناها ونعلم جيدًا شرها وخيرها ورأينا الشر كل الشر فيها إذ الخير الذي هو فيها أقل بكثير من الخير الذي فيها والذي لا يرجى له أن يحصل بتمامه أصلا عند غير المتخصص في ذلك، ونقد كتاباتهم هو مطلب فلسفي صعب لا يستطيع عليه أي أحد! فلا تظن أن بإمكانك أن تميز الخبيث من الطيب بسهولة، بل الأفضل أن يحفظ دين المسلمين أساسًا بعدم ترجمتها، وهناك فرق كبير بين الاستفادة والترجمة.
نقل الإمام اللالكائي في كتابه:
“قال أبو محمد: وسمعت أبي وأبا زرعة يأمران بهجران أهل الزيغ والبدع يغلظان في ذلك أشد التغليظ، وينكران وضع الكتب برأي في غير آثار , وينهيان عن مجالسة أهل الكلام والنظر في كتب المتكلمين , ويقولان: لا يفلح صاحب كلام أبدا. قال أبو محمد: «وبه أقول أنا» -[202]-. وقال أبو علي بن حبيش المقرئ: «وبه أقول» . قال شيخنا ابن المظفر: «وبه أقول» . وقال شيخنا يعني المصنف: «وبه أقول» . وقال الطريثيثي: «وبه أقول» . وقال شيخنا السلفي: «وبه نقول»” إلى آخر النقل…
[اللالكائي، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، ٢٠٢/١]
ونقل الامام الهروي في كتابه ذم الكلام وأهله/
“أخبرنا محمد بن محمد بن محمود أخبرنا محمد بن الحسن بن سليمان أخبرنا الحسين بن إدريس حدثنا أحمد بن عبدة حدثنا حماد بن زيد عن بديل عن عبد الله بن حسين عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن الله لم يبعث نبيا إلا مبلغا وإن تشقيق الكلام أو الخطب من الشيطان) رواه عبد الرزاق
“ذم الكلام وأهله (1/ 114)”
وتجدهم مثلًا يتحدثون عن انتوني فلو بإجلال وإكبار وكأنه صار مؤمنًا حسن الإيمان وأنه باحث صادق عن الحقيقية
وما الحقيقية إلا أن انتوني فلو ظل في الإلحاد ٥٠ عام ثم سبحان الله صار إمام في الإيمان ويقرأ له كتاب عقدي يقرر فيه وجود إله ما!
ومتابع مناظرات هذا الرجل مع ويليام لين كريج والفين بلانتينجا المتكررة الذي سردها هو بنفسه يستعجب كيف أن هذا الرجل خرج من الالحاد الدهري الطبيعي المحض الى درجة اقل منها بقليل وهي الربوبية الغالية “من الغلو” بعد كل هذه المناظرات ثم حين قرر اسباب ايمانه لم تخرج عما جاء في تلك المناظرات مع انه حينها لم يخرج منها مؤمن! فتأمل!
يعني هي حجج النصارى واللاهوتيين والمتكلمين نفسها التي لو قرأ كتب أسلافهم من اللاهوتيين المتفلسفة أمثال ويليام بيلي وتوما الاكويني لما كان وجد غير تلك الحجج نفسها!
فهل كان لا يفهمها لمدة ٥٠ عام؟!
هذا أمر عجيب
هذا انتوني فلو حين وجه له سؤالًا عن الإله كما هو في الأديان السماوية أو ما يسمى الابراهيمية (زعموا) (ويقصدون به الاله “المتشخص” كما يسمونه أي وليس إله الربوبيين “الذي لا يوصف بالحياة والعلم والإرادة ولا بصفات الكمال)”) واشار السائل تحديدا على إله المسلمين!: أجاب:
في مقابلة لهُ في ديسمبر 2004 قال: (الإله الذي أتحدث عنه هو ليس إله المسيحية وبعيد كل البعد عن إله الإسلام، الاثنين لا يجسدون سوى ملامح الطاغية الشرقي، الله كأنهُ صدام حسين بحجم كوني)، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا، هذا الرجل يريد ان يسلب الإله صفات كماله فيكون هو اكمل منه واكبر منه مُلكًا حتى يؤمن به! فأي إيمان هذا الذي آمنه انتوني فلو؟ هذا الذي أصبحوا يدرسون كتبه لطلاب العلم المسلمين! ويترجمونها في مراكز إسلامية مثل مركز رواسخ والله المستعان
ماذا عن كتاب وهم الشيطان الذي ألفه ديفيد بيرلنسكي اللاأدري الذي ترى نبرة اللاأدرية والتوقف، بل والكلام عن الملاحدة والمؤمنين على سواء، والله تشعر بقبض القلب والبعد عن الدين وأنت تقرأ مثل هذه الكتب التي تنغض عليك إيمانك بمثل هذه العبارات التي تقلل من الدين والإيمان الجازم بالرب سبحانه كما يجب أن يؤمن به كل عاقل سليم النفس فضلا عن كل مسلم سني يستعلي على مثل هذا السفه!
يعني بعد أن أحلت مسألة وجود الرب الخالق سبحانه لمسألة نظرية كذبت بها وقلت لا أدري، بل وصرت تقلل من ديننا وتسوينا بغيرنا ونحن نشكرك على هذا التفضل والتواضع الذي يجعلك لا تقف مع صف الملاحدة الغلاة “الإلحاد القوي” كما يسمى وهو النفي الجازم!
نحن الآن كأهل السنة والجماعة المؤمنين به وبقرآنه سبحانه وتعالى علينا ان نأخذ بعين الاعتبار منهج أهل السنة والجماعة في الدعوة والاستدلال وألا نكون فلاسفة محضين نقف على الحياد من هذه المسألة وندخل وراء أهل الكتاب والخلف من المتكلمين جحر الضب!
قال تعالى: قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ قَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
وقال: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
وقال: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ
ولا تغرك زخارف القوم بقولهم إن طريقة السلف ومنهجهم السني القرآني المستنير بالوحي في التعامل مع الإلحاد والزندقة قديم ما عاد مناسبًا لهذا العصر فهذه والله عين مقولة العلمانيين الملاحدة والزنادقة بأن منهج السلف أسلم ومنهج الخلف أحكم، أو أن الشريعة لم تعد مناسبة لهذا العصر.
الله المستعان ولا رب سواه، يكفي هذا القدر من البيان باذن الله وأسأل الله أن ينفع بنا وبكم ويهدي عامة شباب الأمة وأولياء أمورها إلى الخير وأن يرفع الغمة عن هذه الأمة.
29 11 2021
كتبه: #الغيث_الشامي
بقلم: الغيث الشامي (أبو عبادة)