عندما يصير الدين في حياتك مجرد أفكار نظرية تحشو بها رأسك، لا تطبقها في جميع تفاصيل حياتك اليومية فهذا حتمًا نابعٌ عن نقص إيمانك بها.
فالإيمان ليس إلا حقيقة مركبة، الإيمان السّنّيّ قول وعمل واعتقاد، فإن نقص عملك كان ايمانك في قلبك ناقصًا، كما أخبرك وأخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ». متفق عليه.
وهذا اعتقادنا أهل السنة والجماعة وهو كما ترى لا يليق به أن يبقى حبيس القلب، لا يظهر على هيئة أفعال، فلا تبحث عن زيادة الإيمان وبرد يقينه في قلبك وأنت لا تزكي نفسك بالذكر والدعاء (القول)
والصلاة والصدقة وغض البصر ومن هذه الأعمال التي قد تعتبر من “السهل الممتنع” بالنسبة لكثير من الناس (العمل)
والخوف الحقيقي من الله وحده سبحانه ومحبته ومحبة شريعته ودينه والرجاء والأمل في رحمته سبحانه وفضله، والحب والبغض فيه الذي يقدم على كل المصالح والملذات الشخصية التي تعود على الإنسان نفسه أو نوعه قاطبة وتذكر آلائه ونعمه وحمده في السراء والضراء، وفي تثبيت نفسك بالقدر عند المصائب وتذكير نفسك بالابتلاء المستمر عند النعم (القلب)
يقول الامام الحسن البصري رحمه الله: [ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، وإن قوماً غرتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، قالوا: نحن نحسن الظن بالله. كذبوا، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل].
يصدقه حديث أمنا عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
حين قالت: أن النبي ﷺ كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له: لمَ تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أحب أن أكون عبداً شكورا[2]، متفق عليه.
فلا تدع عملك يشابه أهل الإرجاء وأنت تعلم قول أهل السنة والجماعة فيه
قال الامام ابن ابي داوود السجستاني رحمه الله:
ولا تك مرجيّاً لعوباً بدينه .. ألا إنما المرجيّ بالدين يمزحُ
وقل إنما الإيمان قول ونية .. وفعل على قول النبي مصرحُ
واعلم بارك الله فيك أن يقين القلب لا يمكن أن ينفك عن العمل فلن تشعر ببرد اليقين في قلبك أبدًا وأنت منفك عن العمل كارهًا له ولو كراهة نفسيّة لا كراهة معرفيةً اعتقادية
قال الله تعالى:
«إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا» (النساء: 142).
ويحضرني الحديث:
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ رواه أبو داود
فبالجمع بين الحديث والآية يمكنك أن تفهم أن من شابه المنافقين بأفعاله أو أقواله أو مظهره ما اختص به قوم كان منهم.
وخص الله المنافقين بصفات تميزهم، أنهم اذا قاموا للصلاة قاموا كسالى ويمكننا قياس ذلك على باقي الأعمال فالتكاسل عن الاعمال التعبدية بشكل عام هو من العلامات التي تخص المنافق لا المؤمن.
فإن كل جنس يعرف بصفات تميّزه وتليق به هو دون غيره من حيث الأصل، فلا يجوز أن تجتمع في غيره وإلا لزم أن يكون داخل في مسمى هذا الجنس بالضرورة وهي القدر المشترك من الصفات بين أفراد هذا الجنس، فإن الدليل يلزم منه مدلوله وهذه الصفات توجب الدلالة على انتماء المتصف بها إلى هذا الجنس فإن كان الأصل فيها أنها من صفات هذا الجنس لكن اجتمعت مع صفات أخرى تعارض انتماء فاعلها لهذا الجنس، كان يستحق أن يوصف بأنه متشبه بهذا الجنس بالضرورة على الأقل في هذا الفعل.
ومثال تلك القاعدة هو أن التكاسل عن الطاعات والأعمال الأصل فيه أنه من صفات تخص المنافقين، فكان من تلبس بها متشبه بهم بالضرورة ولو لم تجتمع له كل شروط إدخاله تحت مسمى “المنافق” فيسمى الفعل فعل نفاق ولا يسمى الفاعل منافقًا إلا إن تكرر منه الفعل وعلم منه قصد التشبه سواء بالحال أو بالمقال” هذا والله أعلم
ومن المعلوم أن اتِّباع السنة يكون بالفعل والترك، فإن كان الإيمان اعتقاد وقول وعمل وكل ذلك بما يوافق السنة
كان بالقياس العكسي موافقة السنة لا تكون إلا بالقول والعمل والاعتقاد بما جاء بها، وليس بالقول والاعتقاد ثم يكون العمل أبعد ما يكون عن عمل أهل السنة والجماعة أشبه ما يكون بأعمال المنافقين وأهل الأهواء!
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم باحسان إلى يوم الدين.
أخوكم: الغيث الشامي (أبو عبادة) ستر الله عيوبه.
#الغيث_الشامي