على صعيد الأنطولوجيا، تنقسم الفلسفة إلى المثالية والمادية، وهما موقفان نقيضان في تناولهما لمسألتها الأساسية في طبيعة الوجود. وبالمثل، يشهد الحقل الإبستمولوجي انقسامًا موازيًا بين “الجوّانية” و”البرّانية“، وهما الترجمتان اللتان قدمهما عثمان أمين وأشاعهما لكلمتي Externalist وInternalist في ترجمته لـ “تأملات” ديكارت، حيث وصف فلسفة ديكارت بـ “المثالية الجوانية”. وقد أفرد أمين كتاب “الفلسفة الجوانية” لتأصيل هذا اللفظ ضمن التراث الإسلامي العربي. وقد تبنى تلميذه محمد يوسف عدس هذه الترجمة واستخدمها في ترجمة كتاب بيجوفيتش “الإسلام بين الشرق والغرب”، كما فعل عبد الوهاب المسيري في تقديمه للكتاب. وقد انتشرت هذه الترجمة على نطاق واسع، ويمكن العثور عليها في العديد من الترجمات الأخرى.
ثمة ترجمة أخرى مقترحة، هي “الداخلانية” و”الخارجانية“، وقد ظهرت في ترجمة رضا زيدان لكتاب ويليامسون “المعرفة وحدودها” (٢٠٢٣) ومقال نيت شيف “كيف تَعرف؟” (٢٠٢٤). كما اعتمدها مصطفى سمير في ترجمة “مرجع روتلدج في فلسفة الذاكرة” لسفين بيرنيكر وكوركين ميكيليان، وكذلك غيث الشامي في ترجمة مقال جيمي بي. تورنر “الرؤية الإسلامية حول الابستمولوجيا المعدلة”. ومع ذلك، لا تتمتع هذه الترجمة بنفس الشهرة والانتشار الذي تحظى به الترجمة الأولى في الأوساط الأكاديمية.
لسنا هنا في صدد المفاضلة بين الترجمتين، وإنما الهدف هو تقديم قراءة نقدية لتصورات بعض ” الإسلاميين” حول الجوانية والبرانية، وعثمان أمين نموذج لذلك.
عثمان أمين عراب الجوّانية:
لقد كان عثمان أمين يأمل في إبداع فلسفة إسلامية/ عربية أصيلة، بيد أن مسيرته المضنية في البحث والتنقيب الفلسفي قادته في نهاية المطاف إلى إعادة صياغة الطريقة الديكارتية في التفكير، والفلسفة الكانطية في الاخلاق بعبارات إسلامية، أي ألبسها لبوسًا إسلاميًا، وهو ما عهدناه من متفلسفة الملة على مر العصور.
وقد أطلق عثمان أمين على منظومته الفكرية اسم “الجوّانية”، وسعى إلى تأصيلها وتقديم مسوغات نظرية لها من ثلاثة روافد:
أولا: أن أصل فلسفته مستمد من الدين الإسلامي، إذ الدين هو البعد الجواني للإنسان،، مستشهدًا بالأثر « إن لكل إمرئ جوانيًا وبرانيًا، فمن أصلح جوانبه أصلح الله برانيه.» كما استحضر بعض الشخصيات الإسلامية كالغزالي، وزعماء الإصلاح في العصر الحديث كالأفغاني ومحمد عبده وغيرهما، بإعتبارهم مفكرون «جوّانيون» على الأصالة.
ثانيًا: الإجلال والتقدير للفلاسفة المثاليين الغربيين، والاعتقاد بأنهم حملة لواء الحقيقة الفلسفية «وهداة الانسانية الحقيقيون» [عثمان،١٩٥٣، ٩٧]، في حين الماديين هم ممن ضل السبيل. ويصف طريقة تفلسفهم بالمثالية الجوانية. مؤكدًا على أهمية تعميم طريقة التفكير والنظر التي سلكها ديكارت وتبعه فيها فلاسفة الحداثة. ويعبر عن هذا المعنى بقوله:
« ولعل من فضل ديكارت على الإنسانية المفكرة أن أصبح واضحًا للعيان أن المثل الأعلى للوجود الإنساني هو تحقيق وعي الإنسان لذاته ولمكانه في العالم؛ حيث يرد جميع آراءه إلى أفكار واضحة ومتميزة، ويمتنع عن أن يقرر أو يعمل ما لم يكن معتمدًا على أسباب صحيحة مقبولة لديه ولدى الناس جميعًا بحيث يتحرى دائما عن المسوغ الأخير لمعارفه وأفعاله. وهذا المعنى الحديث من معاني النظر الفلسفي هو المعنى الذي ينبغي أن نحرص كل الحرص على إذاعته وتعميمه، حتى يتيسر للفلسفة أن تؤدي في المجتمع رسالتها الجليلة.» [ عثمان، ١٩٥٣، ١٤]
ثالثا : اعتبار “الجوانية” نتاجًا لتأمله الذاتي العميق في داخل النفس الإنسانية. «الجوانية اسم أطلقته منذ سنين على فلسفة اهتديت إليها بعد إطالة النظر في أمور النفس…» [ ١٩٦٣، ٩]
ويقول في موضع آخر واصفا منهجه الفلسفي « طريق المثالية الجوانية هي تقديم الذات على الموضوع والفكر على الوجود، والتمييز بين الداخل والخارج وبين الكيف والكم وبين بصر العقل وبصر العين.» [ ١٩٦٣، ٣٤٤]
وعليه ، فإن فلسفة “الجوانية” عند عثمان أمين تستند إلى ثلاثة أسس متداخلة: التأمل الذاتي الباطني، والانستاب للدين، والاحتفاء بمنهج كبار الفلاسفة والمفكرين المثاليين.
جوانية عثمان أمين على محك النقد:
يشير مصطلح “الجوانية” ببساطة إلى الترجمة العربية لمفهوم “Internalism” الفلسفي، وهو مذهب معرفي بارز اكتسب اصطلاحه في القرن العشرين، ويقابله “البرانية” أو “Externalism”.
بيد أن عثمان أمين يقدم فهمًا مختلفًا لهذه المذاهب، حيث يختزلهما في الإطار القيمي والأخلاقي. فالبرانية تُصور لديه كإلغاء لقيمة الإنسان وحصره في الطبيعة الآلية والحيوانية، كما يربطها بالوضعية والبراغماتية. في المقابل، يرى أن الجوانية هي المنقذ من الأزمة الأخلاقية، والمعيدة لارتباطنا بالقيم والمثل العليا، مع غلبة واضحة للنزعة الصوفية في تأطير هذا المعنى.
صحيح أن بالإمكان تأسيس مواقف ميتاأخلاقية انطلاقًا من المنظورين الداخلاني والخارجاني، لكن اختزال عثمان أمين للأمر يبدو مخلًا. فجوهر الجدل بين هذين المذهبين يتمحور حول السؤال التالي: “ما طبيعة العوامل التي تساهم في إيجابية الحالة المعرفية للاعتقاد؟”
إذًا، المسألة ليست أخلاقية فحسب، بل تتعلق بالاعتقاد ذاته. فحتى اعتقادك الحالي بأنك تقرأ هذا المقال يقع ضمن نطاق هذا النقاش الفلسفي. يؤكد الداخلانيون على أن جميع العوامل التي يعتمد عليها التبرير هي عوامل داخلية، بمعنى أنها إما قابلة للوصول التأملي من قبل الشخص، أو أنها تمثل حالات ذهنية للفاعل، كما يوضح برنت ج.ش. ماديسون.
هذا المنظور يذكرنا بمنهج ديكارت الذي يدعو إليه عثمان أمين نفسه، والذي يرى أن “المثل الأعلى للوجود الإنساني هو تحقيق وعي الإنسان بذاته وبموقعه في العالم؛ حيث يرد جميع آرائه إلى أفكار واضحة ومتميزة، ويمتنع عن أن يقرر أو يعمل ما لم يكن معتمدًا على أسباب صحيحة مقبولة لديه ولدى الناس جميعًا بحيث يتحرى دائما عن المسوغ الأخير لمعارفه وأفعاله.” [ ١٩٥٣، ١٤]
لكن الإشكالية التي تواجه هذا التوجه الداخلاني تكمن في السؤال عن كيفية الوصول إلى هذا “المسوغ الأخير”، وهل الوصول إليه ممكن أصلًا؟ وكما يشير نيت شيف في مقال “كيف تعرف؟”:
“عادة ما تُصوَّر [قابلية الوصول] على أنها شيء يمكن أن يمتلكه المرء وهو جالس على أريكته، يتأمل أفكاره، لذلك إذا كان لديك ما يبرر اعتقاد أيّ شيء، يمكنك العثور على هذا المبرر هنا والآن من خلال النظر في الداخل. يصبح التأمل الوسيلة الوحيدة لتبرير اعتقاداتك، وهذا يضع عبئًا كبيرًا على كاهل التأمل. وهذا يعني أيضًا أن أي شخص لا يتأمل بالدرجة الكافية لا يمكن أن يكون لديه اعتقادات مبررة.”
يثير هذا التساؤلات التالية: هل يعني هذا أن الحيوانات والأطفال لا يمتلكون اعتقادات مبررة؟ وهل الإنسان الذي لا يمضي يومه في التأمل العميق في كل أفعاله واعتقاداته – لماذا تناول فطوره صباحًا، لماذا ارتدى ملابسه، لماذا يعرف أنه هو نفسه الذي كان بالأمس، ولماذا يدرك أن هذا الواقع حقيقي وليس مجرد حلم – هل يعتبر شخصًا ذا اعتقادات غير مبررة؟
تجدر الإشارة إلى أن التبرير، بالنسبة للداخلانيين، يمثل شرطًا أساسيًا للمعرفة الحقيقية. فهم يعرفون المعرفة بأنها “الاعتقاد الصادق المبرر”. لكن هذا التحليل يواجه إشكالية تتمثل في افتراضه المسبق بأن “الاعتقاد أسبق مفاهيميًا من المعرفة”، مستدلين على ذلك بأن المعرفة تستلزم الاعتقاد دون العكس. وهذا يفضي إلى استدلال دائري، حيث أن التفكير في الاعتقاد وما يرتبط به (الصدق والتبرير) يحيل ضمنيًا إلى مفهوم المعرفة ذاتها. وبالمثل، فإن استخدام التبرير كشرط أو مقدمة للمعرفة يقع في نفس المحظور المنطقي، إذ “لا يوجد معيار للتبرير مقدم على نحو مستقل عن المعرفة نفسها.” [ تيموثي وليامسون، المعرفة وحدودها،ص٢٣]
حتى داخل التيار الداخلاني، يوجد خلاف حول كيفية تحقيق التبرير. يرى البعض أنه يكفي أن يمتلك الإنسان نوعًا من الدراية أو الوصول إلى الأسباب والأسس والأدلة التي تدعم اعتقاداتهم الصادقة. بينما يصر آخرون على ضرورة أن يكون لدى الفرد دراية واعية بكفاية هذه الأسس في تبرير اعتقاده، لا مجرد وجودها، وأن يكون قادرًا على ذلك من خلال التأمل وحده.
وهذا يقودنا مجددًا إلى السؤال الأساسي: ما الذي يبرر الأدلة والأسس، سواء كانت كافية أو غير كافية لتبرير معتقداتنا؟ من هذا المنطلق، تبرز النزعة الشكوكية كأحد التحديات الملازمة للمذهب الداخلاني.
في المقابل، «ظهرت “الخارجانية” في الإبستمولوجيا كمذهب “الموثوقية” (reliabilism)، الذي يرى أن الاعتقادات تكون مبررة عندما تنتج عن عملية موثوقة. فنحن نعتمد على وسائل متنوعة لاكتساب المعلومات – الإدراك الحسي، الذاكرة، وغيرها – لأنها غالبًا ما تقدم إجابات صحيحة. ورغم أن هذه العمليات قد تخطئ أحيانًا، إلا أنها تنجح في أغلب الأحيان، بحيث أن الاعتقاد الناتج عنها يظل مبررًا حتى لو كان خاطئًا في حالة معينة، تمامًا كخبير الأرصاد الجوية الذي نثق بتوقعاته رغم بعض الأخطاء في سجله.» [ نيت شيف، كيف تعرف؟]
إن المذهب الخارجاني لا يسعى لتبرير الاعتقاد الصادق بتبرير آخر، ثم تبرير هذا التبرير من خلال بناء ميتافيزيقا عقلية معقدة. فهو يفترض أن ملكاتنا المعرفية تعمل بشكل سليم في الأصل وتنتج اعتقادات صادقة في الغالب. وبالتالي، فإن التشكيك المفرط فيها يعتبر ضربًا من التكلف الذي لا يؤدي إلا إلى تعزيز الشكوكية.
يبدو أن عثمان أمين لم يتطرق لهذه الاعتراضات، وربما لم يكن على علم بها، وكأن الفلاسفة المثاليين الجوانيين هم وحدهم من يكتبون في هذا المجال.
بالانتقال إلى نسبة هذا المذهب إلى الإسلام، نجد أن الأثر الذي استند إليه ونسبه إلى النبي ﷺ، وهو ليس من حديثه قطعًا، بل روي عن بعض الصحابة كما ورد في الزهد لابن المبارك عن سلمان رضي الله عنه: “إن لكل إمرئ جوانيًا وبرانيًا، فمن أصلح جوانيه أصلح الله برانيه.” من المعلوم أن كتب الزهد لا تلتزم بالتشدد في صحة الأحاديث كما هو الحال في أحاديث الأحكام. فكيف يمكن اعتبار أثر من كتب الزهد أصلًا يُبنى عليه تصور للدين، بل “لروح الدين” كما يصفه عثمان؟
علاوة على ذلك، يبدو هناك تكلف واضح في تأويل هذا الأثر وحمله على المعنى الفلسفي، وهو تأويل يتعارض مع أصول الإيمان التي ترى أنه قول واعتقاد وعمل، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي. فـ“الجواني” هنا ليس بالضرورة بمعنى الوعي الديكارتي الذي يستبطن العالم، وإنما يشير إلى أعمال القلوب وعلومها.
كما أن إصلاح الباطن ليس بالضرورة سابقًا على إصلاح الظاهر، بل توجد بينهما علاقة تأثير وتأثر متبادلة. وقد قال النبي ﷺ: “إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم”، جاعلًا الفعل الخارجي سببًا لنشوء المعنى الباطني. ويكفي الرجوع إلى مؤلفات أئمة السنة والجماعة في كتب الإيمان لفهم هذا المعنى وإدراك مدى مخالفة تأويل عثمان أمين لأصول أهل السنة في الإيمان.
أما الاستشهاد بالغزالي أو محمد عبده والأفغاني وغيرهم، فآراؤهم ليست حجة بحد ذاتها، يجب أن يستدل لها لا بها. خاصة وأنهم تأثروا بفلسفات يونانية وغربية حديثة تتعارض مع العقائد الإسلامية.
أما تعظيمه للفلاسفة المثاليين، فهو يزيد من بعده عن الصواب، إذ تعتبر الفلسفة المثالية، سواء القديمة أو الحديثة، من أكبر المناقضات لأصول الإسلام، على عكس غيرها من الفلسفات التي قد تتفق مع بعض الأصول. وقد تم تفصيل هذا في مقالات سابقة.
أخيرًا، فإن انطلاقه من تجربته الذاتية وتأمله الباطني لا يعتبر حجة مقبولة، فهو من جنس الطريقة الصوفية التي تميل إلى نسبة كل ما يخطر في النفس إلى الشرع أو إلى الواقع.
نقد التنظير الأخلاقي الجواني عند عثمان أمين:
يُصوغ عثمان أمين مفهوم “الجوانية” في إطار أخلاقي قيمي، يركز، كما يعبر هو نفسه، على “الكيف لا الكم، والجوهر لا العرض، والذات لا الموضوع”. ويدعو إلى تأسيس الأخلاق على الضمير والإرادة الخيرة، مصرحًا بتأثره الواضح بالفيلسوف إيمانويل كانط في هذا التوجه. فهو يدعو إلى “تفعيل مبدأ الإرادة الخيرة كقانون عام يحكم الجميع للتحرر من النوازع الأنانية والأهداف البراغماتية التي طمست جوهر الروح الخالصة.”
يمثل هذا التصور جوهر الأخلاق الواجبية الكانطية، التي لا تعتد بعواقب الأفعال، بل تركز على النية الخالصة النابعة من الضمير الأخلاقي. فبالنسبة لكانط، تتحدد الإرادة الخيرة دون أي مرجح وجودي، سواء كان خارجيًا (كتحقيق مصلحة أو منفعة أو درء مفسدة أو مضرة) أو ذاتيًا (كحب الذات أو الميل الطبيعي). يرفض كانط تأسيس الأخلاق الخيرة على الطبيعة البشرية، مما يعني أن الإرادة “تترجح بدون مرجح”. وما يسميه كانط بالضمير أو الواجب، هي مفاهيم مجردة أقرب إلى العدم منها إلى الوجود، فضلًا عن أن يكون لها تأثير فعلي في الفعل الإرادي الوجودي.
يُعد هذا التصور مخالفًا للشريعة الإسلامية، التي تقوم على جلب المصالح ودرء المفاسد. فالأوامر والنواهي في الشريعة مرتبطة بعواقبها، وهو ما يتوافق مع الفطرة الإنسانية السليمة. ولذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
“والإرادات تنقسم إلى ما يوافق مصلحته، وهو جلب المنفعة له، وإلى ما لا يوافق مصلحته بل يضره. فإن الإنسان حساس متحرك بالإرادة. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: أصدق الأسماء: الحارث وهمام، وأحبها إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن، وأقبحها: حرب ومرة، فإن الإنسان لا بد له من حرث وهو العمل والحركة الإرادية، ولا بد من أن يهم بالأمور: منها ما يهم به ويفعله، ومنها ما يهم به ولا يفعله، فإن كان المراد موافقاً لمصلحته كانت الإرادة حسنة محمودة، وإن كان مخالفاً لمصلحته كانت الإرادة سيئة مذمومة، كمن يريد ما يضر عقله ونفسه وبدنه.” [ الدرء، ٨/٤٥٧]
يؤكد ابن تيمية على أن الشرط الأول للإرادة هو الحس، فلا إرادة بدون إحساس. فالإنسان كائن حساس، وينتج عن حسه تحركه بالإرادة. إنه يحس بالضر/الألم وبالنفع/اللذة، وبناءً على هذا الإحساس تتحدد إرادة الإنسان بما يوافق نفعه ومصلحته فيتحرك نحوه، أو يتحرك بإرادته لدفع الضر والألم عنه. فالتفضيل والترجيح هنا يتم بناءً على النفع، وهو أمر مشاهد ومحسوس، وليس من جنس المجردات الكانطية.
لكن هذه المعاني الواقعية تبدو “فاسدة” وغير أخلاقية بالنسبة لعثمان أمين. فالأخلاق الحسنة عنده تقتضي أن يترجح الحسن في نظر الإنسان دون أي مرجح واقعي. فأي سفسطة هذه التي تُنسب إلى الإسلام؟ إن اختزال الفعل الأخلاقي في مجرد نية مجردة منفصلة عن الواقع وعواقبه يتعارض مع جوهر الشريعة التي تراعي مصالح الإنسان في الدنيا والآخرة.