هل صحح شيخ الإسلام إبن تيمية أصل التفلسف ؟
قلت : يوجد العديد من الباحثين ممن حاولوا نسبة ابن تيمية إلى التفلسف أو تصحيح أصل التفلسف.
ولهم في ذلك طريقين :
١- منهم من ينسب أقوال إبن تيمية للفلاسفة السابقين عنه أو لأصولهم وقواعدهم كما فعل سامي النشار وعبد الحكيم أجهر وغيرهما. وهؤلاء يريدون إنتزاع ابن تيمية من السلفية، وتزييف انتسابه للسلف، ويصبح كلامه مجرد ” نظريات فلسفية” قابلة للأخذ والرد والنقد وليست ” مقالات السلف” التي هي عين دين الاسلام الذي ندين به. ويصبح هو فيلسوفًا عظيمًا مثله مثل أرسطو الوثني أو توماس النصراني أو إبن ميمون اليهودي… وليس “شيخ الإسلام وبقية السلف وإمام السنة وقامع البدعة” كما يصفه السلفية وعامة المسلمين.
٢- ومنهم من ينسبه للتفلسف بناءً على اقوال له، ظاهرها تصحيح أصل التفلسف. وكذلك ظنهم أن لإبن تيمية ” فلسفة صحيحة أصيلة”، ليست أجنبية عن الإسلام، بل تنعكس فيها معاني النصوص الشرعية، ولا يكون فيها حاجة لتأويل النصوص لاحتوائها. وأنه أستنبط صرحه الفلسفي من مقالات السلف، لا من مقالات فلاسفة اليونان والرومان.
وهؤلاء ممن نحسن الظن بهم وبصنيعهم، لكن لاحظت أن أهل الباطل ممن يريد انتزاع ابن تيمية من السلفية ونسبة أقواله للسلف، يستطيل علينا وعلى شيخ الإسلام بقول اخواننا هؤلاء.
وقد كنت ممن يقول بهذا ويدافع عنه، وقد كتبت مقالا طويلا في دعم هذا القول عنونته ب” نقد مقولة موت الفلسفة الإسلامية”.
لكن بعد وقوفي على حقيقة التفلسف ( والفلسفة تخصصي الجامعي) وبعد التوسع أكثر في القراءة لإبن تيمية وكذا التوسع في القراءة لكتب السلف، وأيضا التعرف على بعض الأفاضل ممن خالفوني في هذا الباب وكانت لهم نقودات ومواقف من نسبة إبن تيمية للتفلسف. فبسبب هذا وغيره كان لا بد من إعادة النظر في هذا القول، لا أن نرد ما يخالفه بدوغمائية بدون إعطاءه حقه من النظر.
فتبين لي أن الخلاف في المسألة له سببين :
١- الخلاف في معنى اصطلاح الفلسفة ( إذ الفلسفة مصطلح وليست كلمة لغوية أصيلة)، وقد بينت في المنشور السابق المعنى الذي يصطلح عليه بالفلسفة، والذي لا يسمى الإنسان فيلسوفًا الا به. وأن الفلسفة ليس هي مطلق النظر العقلي، وليس كل نظر عقلي فلسفة. وإنما هي النظر في المعرفة الوجود بدون قيد ولا شرط ابتداءً. وبينا أن مؤدى هذه الطريقة هو ما ذمه السلف وتابعهم على ذمه شيخ الإسلام ابن تيمية. والمخالف لنا من اخواننا موافقون على ذم ذاك المعنى الذي ذكرناه ولا ريب.
فإذا كان المقصود بالفلسفة غير المعنى الذي ذكرناه، كأن يقال الفلسفة هي “المعقولات المحضة”، أو يقال يسمى “المفكر فيلسوفًا إذا كان فكره متسقًا” أو غير هذا. نقول إذن الخلاف لفظي.
لكن نعود ونقول: إلا أن هذا الذي تسمونه أنتم تفلسفًا وفلسفة يخالفكم فيه أساطين الفلاسفة في التاريخ، إذ يوجد من الفلاسفة من ليس نسقيًا، بل حتى قاموا بنقض النسقية ومنهم جيل دولوز وفيليكس غواتاري بل وجماهير فلاسفة ما بعد الحداثة.
كما أن عامة الفلاسفة يسفسطون على المعقولات المحضة ويشككون فيها ويجوزون إطلاق النظر في كل شيء بدون شرط ولا قيد.
فإذا تم الوفاق على المعنى الذي نفيناه، وهو الذي ذمه السلف وابن تيمية، وهو الذي نخصه نحن بإسم الفلسفة والتفلسف، وأنتم ربما تسمونه سفسطة أو مثالية أو غير ذلك.
تعين أن الخلاف لفظي.
٢- والسبب الثاني لهذا الخلاف، هو بعض نصوص إبن تيمية التي أوهمت تصحيحه لأصل التفلسف. وسنأتي على تحليلها نصًا نصًا إن شاء الله.