قضايا

جواب سؤال في قولهم: “ما حل معضلة التعلق بين القديم والحادث”؟

السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخنا لدي سؤال حول معضلة ربط الحادث بالقديم اي ما هو الحل الصحيح لهذه المعضلة
لو قلنا ان هاهنا معلول فمرجحه إرادة الرب الحادثة ثم المرجح إما يكون قديم او حادث فإذا كان قديم يلزم من ذلك التراخي واذا كان حادث فلزم ان يكون هناك مرجح اخر كونه حادث
وجزاكم الله خيرا

الجواب:

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، هذه المسألة برمتها، أخي الكريم، ليست إلا ضربا من سفسطة الفلاسفة القدماء التي تشرب بها أهل الكلام وتوصلوا منها إلى نفي النسبة بين الرب تعالى وأفعاله الحادثة (أي التي تحدث بعد أن لم تكن، وقتما شاء سبحانه).
ما معنى ربط الحادث بالقديم أصلا؟؟
القديم هو ذات موصوفة بأنها لا ابتداء لوجودها في الماضي، ولا علاقة لهذا بكونها تريد وتفعل ما تريد، كما هو المعقول من إطلاق المعنيين، من حيث الجواز العقلي، أي جواز النسبة، بعيدا عن تلك السفسطة اليونانية التي أفسد بها القوم معنى الحدوث والتجدد! نحن نعقل، بمقتضى المعنى الكلي للفظة “فعل”، أن الذات الموصوفة بالفعل، أيا ما كانت حقيقتها، إذا تمت لديها المشيئة (وهي أمر يقوم بها بعد أن لم يكن)، وكانت القدرة قائمة بها سلفا، فإن الفعل يقع ويتعلل بذلك (إن لم تمنعه إرادة رب العالمين). فإذا تكلمنا على رب العالمين سبحانه، فإنه هو سبحانه خالق كل شيء، القادر على كل شيء، فإذا أراد شيئا، وقع ذلك الشيء وجوبا متى أراده بلا تخلف، ولم يجز أن يمنعه مانع. ولكن لأن القوم يريدون بأي طريق أن ينفوا قيام شيء يحدث بعد أن لم يكن، أي شيء، بذات الرب سبحانه، خضوعا للنظرية وحدودها، قالوا – في سفسطة باردة -: إذا كانت المشيئة هي مرجح الفعل، فما الذي يرجح المشيئة؟ فإن قالوا مشيئة متقدمة عليها، لزم التسلسل، وإذن لا مخرج إلا بأن يقال كما قالوا إنها قديمة لا تتجدد، وإنها واحدة لا تتعدد، وبها يحدث كل شيء بحدوث تعلقه الذهني العدمي بالحادث إذا وقع! فعلى عادتهم، صيروها عدما لا وجود له إلا في الذهن، كما صنعوا بالكلام والقدرة وغير ذلك من معان لم يجيزوا أن تكون معبرة عن شيء حقيقي يقوم بذات الرب سبحانه في الأعيان، وإنما هي مجرد معان تقوم بأذهانهم! والحق أن مجرد قولهم: ما مرجح المشيئة إذا قدرنا قيامها بذاته سبحانه، لا جواب له إلا أن يقال مرجحها علمه وحكمته وجملة صفاته الذاتية جل في علاه! أليس المراد بالترجيح: لماذا وقعت المشيئة، وقد كان يمكن ألا يشاء؟ أو لماذا وقعت وقتما وقعت لا خلاف ذلك؟ بلى! وإذن فجواب ذلك أن يقال: الله أعلم، وتنتهي المسألة! هو من يعلم لماذا يشاء ما يشاء، ولماذا يحب ما يحب ولماذا يكره ما يكره، لا شريك له في ذلك، ولا طريق إلى معرفته إلا الخبر الإلهي إن جاء! ولكن هم لما جعلوا المشيئة أمرا مخلوقا بمجرد اتصاف شيء ما بها، قالوا فإذا حدثت، فما الذي أحدثها؟ ومن هنا زعموا التسلسل. هم لا يجيزون أن يتجدد شيء قائم بذات الرب أصلا، وهذا هو منشأ الإشكال عندهم! والسبب كما ترى، سبب فلسفي فاسد لا نقول به. فلا معضلة إلا عند من حملتهم فلسفتهم اليونانية على تخصيص معنى لفظة حادث في إطلاقه الكلي، بالمخلوق المركب، فلا حقيقة لاتصاف شيء ما، أي شيء، بأنه حدث عنه كذا أو حدث فيه كذا، إلا أن يكون مركبا من كذا وكذا! ولا يبدأ شيء بعد أن لم يكن، أيا ما كان ذلك الشيء، على شرط الإطلاق، إلا بأن يكون مخلوقا مركبا من كذا وكذا (جواهر وأعراض، أو هيولا وصورة أو ما شئت من خرفهم)! من هنا قالوا لا تحدث عند الله إرادة أو مشيئة، وإنما هي إرادة واحدة قديمة، تتجدد تعلقاتها العدمية بالحوادث حال وقوعها، تعلقا واحدا، فلما نقض عليهم ذلك بأنه تخصيص بلا مخصص، قالوا لا بأس، فليكن من خصائص الإرادة الإلهية أنها تخصص بلا مخصص!! ونحن نجيب بالتزل على سبيل الإلزام، فنقول: ولم لا نقول، بنفس الطريقة، إن المشيئة الإلهية تقوم بنفس الله بلا مرجح، ومن ثم ينتفي التسلسل المزعوم وينتهي الإشكال؟؟ لماذا أجزتم هذا ومنعتم ذاك؟ والجواب: أن النظرية هي التي يترتب على حدودها الميتافيزيقية ما يجوز وما يمتنع، وليس أن العقل الحر هو الذي يجيز ويمنع كما يدعون! ولو أنا ترسلنا مع النظرية وأخضعنا لها عقولنا كما سلكه واضعوها من فلاسفة اليونان، لانتهينا بتلك المعضلة المزعومة إلى نفي جميع صفات الباري كما ألزمهم به شيخ الإسلام رحمه الله!
فإذا حررت عقلك من سلطان تلك النظرية المتهافتة، نظرية الجواهر والأعراض التي أفسدوا بها المعنى الكلي للفظة “حدث” و”حادث”، فلن تجد مانعا من أن تقول إن ذات الله تعالى تقوم بها مشيئة حادثة، يترتب عليها الفعل الإلهي، وكل من المشيئة والفعل صفات حقيقية قائمة بذاته جل شأنه، على كيفية لا يعلمها أحد سواه، فإذا وقع ذلك، ترتب المفعول ووقع لا محالة. وأما الإرادة، فهو يريد الشيء قبل أن يأتي وقت وقوعه، فإذا جاء وقته، ترجح باجتماع المشيئة الحادثة مع القدرة القديمة فوقع بلا تخلف. فهو سبحانه لما خلق العالم، أراد جميع ما هو واقع فيه مستقبلا من الحوادث، فكتب ذلك وقدره عنده، ثم إذا جاء وقت كل حادث، شاءه وخلقه كما سبقت به إرادته. وأما الإرادة التي هي صفة الذات، أي أنه لم يزل يريد سبحانه، فهي قديمة، لا تنفك عن ذاته من الأزل جل جلاله. وأما العلم فهو لم يزل عليما من الأزل بجميع ما هو مريد وما هو فاعل، علم بأنه ستحدث لديه المشيئة لكل فعل هو فاعله من قبل أن يفعله بلا ابتداء، فإذا جاء الوقت الذي أراده وترجح بعلمه وحكمته، تعلل المفعول بفعله سبحانه الناشئ عن قدرته ومشيئته المتجددة، وإذن يتجدد علمه، فيصبح عليما بفعله أنه قد فعله، بعد أن كان عليما بأنه سيفعله. وتجدد العلم هذا مما نفته المعتزلة وسفسط فيه الأشاعرة لنفس السبب الفلسفي: أن التجدد حدوث والحدوث تركب من جواهر وأعراض!! فهذا هو ضبط المسألة، وليس للعقل خوض فيما وراء ذلك، والله أعلى وأعلم وهو الهادي إلى سواء السبيل.
أبو الفداء ابن مسعود
غفر الله له

منقول من قناة إقناع

قناة إقناع غير مسؤولة عن نقل منشوراتها إلى هذا الموقع ، إنما هو عمل فردي من إدارة موقعنا

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button