قضايا

تيسير مختصر لنقد أهل السنة على المتكلمين في المجاز

المجاز في لسان من تقدم، مثل الإمام أحمد في رده على الزنادقة والجهمية، ومعمر بن المثنى صاحب مجاز القرآن، بمعنى: ما يجوز في اللغة، وليس هو عندهم مقابلا للحقيقة كما ابتدع ذلك المتكلمة من المعتزلة ونحوهم، قال شيخ الاسلام ابن تيمية:

«فمن اعتقد أن المجتهدين المشهورين وغيرهم من أئمة الإسلام وعلماء السلف قسموا الكلام إلى حقيقة ومجاز كما فعله طائفة من المتأخرين: كان ذلك من جهله وقلة معرفته بكلام أئمة الدين وسلف المسلمين».

والذي يخالف فيه أهل السنة أهل الكلام تلك التقسيمة المبتدعة للكلام إلى: حقيقة ومجاز

وفساد القول بالمجاز يُعلم بفساد أصلين: (1) قولهم بنظرية الوضع، فيعرفون المجاز بأنه استعمال اللفظ في غير ما وضع ابتداء. (2) الثاني تجريدهم للألفاظ عن سياقها، وحكمهم على المعنى المعقول من الكلمة المجردة بالحقيقة، وما سواها من استعمالات الكلمة بالمجاز

(1) ولا نسلم بهذا التعريف، فهو لا يصح إلا على فرض أن اللفظ وُضع لمعنى، ثم استعمل في غيره، هذا لا يستقيم إلا إذا سلّم لهم أن الألفاظ اصطلاحية وُضعت أولا لمعان ثم استعملت في غيرها، وهذا غير مُسلّم لكم، وأنى لكم إثباته؟ إذ ليس معكم إلا استعمال اللفظ في معنى معين، وهذا غير دال على مطلوبكم، فالاستعمال مشترك بين ما تدعون أنه الوضع الأول وغيره، فكان ترجيحكم محض تحكم وتفريقا بين متماثلين. فالخلاصة: أننا لا نسلم بحصول المواضعة، ولا سبيل لإثباتها أصلا، فلم يقل بها أحد قبل أبي هاشم الجبائي المعتزلي، والصواب الذي عليه العقلاء من أتباع الرسل أن اللغة إلهام من الله دون وضع واصطلاح سابق كما يشهد على ذلك الحس من تعلم الصبيان للغات ونحوه، ثم إن نظرية تقدم الوضع على الاستعمال يلزم منها الجمع بين النقيضين، فإنهم إما يعرفون الحقيقة بالاستعمال فيقولون: استعمال اللفظ في موضوعه، أو يجعلون الاستعمال جزئا من مسمى الحقيقة فيقولون: هي اللفظ المستعمل في موضوعه. وعلى التقديرين يلزم التناقض، فيكون اللفظ متجردا عن المعنى قبل الاستعمال مع وجود معنى متقدم عن الاستعمال!

(2) وهذا أيضا باطل، وهو ناشئ عن مغالطة هي تجريد للكلام عن القرائن، فيحكمون بحكم على المجرد ثم يطبقونه على المستعمل، وهذا خطأ بين، فالكلام لا بد أن يقترن به من البيان والسياق ما يدل على مُراد المتكلم. فإن اللفظ المعزول عن سياقه، المجرد عن كل قيد، لا يفيد في تحديد مقصود المتكلم، فالكلمة المجردة لا تدل إلا على معنى كلي لا وجود له في الخارج. والمتكلمون يجعلون هذا المتبادر إلى الذهن هو الحقيقة، وهذا ليس بشيء فإن هذا راجع إلى كثرة تعلقها بسياق معين دون آخر، ولهذا فإن المتبادر لذهن السامع قد يختلف باختلاف العادة، فإني إن قلت: (فطرت اليوم بالبيض)، سيتبادر لأذهان السامعين أن هذا بيض دجاج لا بيض بط! وهذا لا يعني أن الأول حقيقة والثاني مجاز، بل كلهم حقيقة.
فليس معنى قولنا: أن الالفاظ المجردة عموما لا تفيد فائدة، سلب معناها المطلق، بل المراد: أن الفائدة تكمن في الحكم على هذه المعاني المطلقة بشيء معين. يعني أن المعاني في الألفاظ ليست صفات ذاتية، وإنما هي صفات إضافية، أي بحسب ما تُضاف إليه، أو بعبارة أخرى حسب السياق.

وسأضرب مثالا لمزيد بيان وتوضيح: اتفقت الكلمة بين مثبتي المجاز ونفاته على أن الحرف لا يستقل بالمعنى، بمعنى أن الحرف لا يدل على معناه الإفرادي إلا بذكر متعلقه، نحو “إلى” و”على”، ففهم دلالته مشروط بذكر متعلقه من دَار أَو سوق أَو غَيرهمَا، وهي القرينة المبينة لمعناها، وتلك أمارة المجاز عند مثبتيه، فهم إذن بين أمرين: إما أن يقولوا أن الحروف مجاز، وهو غلط بين لأنه لم يسبق لها موضوع غير موضوعها الذي هي مستعملة فيه. وإما أن يقولوا: إن توقف فهم معناها على القرينة لا يوجب أن تكون مجازا. فيقال لهم: وهكذا الأسماء والأفعال، التي لها دلالة عند الاقتران، وأخرى عند التجرد، لا يلزم من توقف فهم معناها عند الاقتران على القرينة أن تكون مجازا. فدلالة الأسماء والأفعال عند التجرد عن كل قيد كدلالة الحروف سواء، لا فرق بينهما لغة ولا عقلا، فإن قولك: «رجل، تراب» كقولك: «في، على»، فالجميع أصوات ينعق بها، لا تفيد شيئا، وشرط إفادتها تركيبها. فإن قيل: أنا أفهم من «رجل، ماء، تراب» مسمى هذه الألفاظ بمجرد ذكرها.
قيل لك: فافهم من قولك: «في، على، ثم» مسمى الحروف بمجرد ذكرها، وهي الظرفية، والاستعلاء، والتراخي والترتيب.
فإن قلت: لا يعقل معنى الظرفية إلا بالمظروف والظرف، ولا معنى الاستعلاء إلا بالمستعلي والمستعلى عليه. وهذه متعلقات الحروف.
قيل: لا فرق بينهما؛ فإنه يفهم من (في) ظرفية مطلقة، ومن (على) استعلاء مطلق، ومن (ثم) ترتيب مطلق.
كما يفهم من (رجل، وماء، وتراب) معان مطلقة، وهي صور ذهنية مجردة، لا يقارنها علم بوجودها فى الخارج ولا عدمها.

آدم لكحل

مهتم بالذب عن الآراء السنية السلفية، وبتحرير أقوال أهل السنة في الطبيعيات والانسانيات و العقليات : )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى