العقيدة

تسلسل الحوادث، بين الإمكان والامتناع

جواب سؤال حول شبهة الأشاعرة في مسألة تسلسل الحوادث

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وآله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد فقد راسلني أحد الإخوة جزاه الله خيرا بكلام لبعض الأشاعرة فيه شبهتهم المشهورة على مسألة تسلسل الحوادث، وطلب مني جوابا عنها، فرأيت أن أنشره هاهنا لتعم الفائدة، والله الهادي إلى سبيل الرشاد.
قال صاحب الشبهة فيما نقله الأخ وفقه الله:

1) خلق الله زيد (الاني)
2) وقد خلق (قبله) زيود لا حصر لهم فهم (لا) ينتهون الى زيد أول
3) اذن زيد الاني لم يخلق الا بعد ان (انتهى) الله من خلق زيود (لا ينتهون) فكيف اذن انتهى منهم وهم لا ينتهون؟!!!!
فاذا كان ما ( قبل) زيد الاني زيود لا نهائيون فمتى (سيفرغ)الله من خلقهم لتصل النوبة لزيد الاني فيخلقه؟!!!!!
فوجود زيد الاني (لازمه) ان الله (فرغ)من خلق ما(,قبله)من الزيود وما قبله من الزيود (لا يفرغون) لانهم لا نهائيون اذن كيف فرغ منهم وهم لا يفرغون ؟!!!!
اذن القول بالتسلسل (يلزم) منه (انتهاء مالا ينتهي)او قل ان شئت (فراغ مالا يفرغ)
وهذا اللازم باطل فملزومه وهو التسلسل باطل أيضا.

قلت: هذه هي شبهة الأشاعرة القديمة في مسألة تسلسل الحوادث، ولا يزالون يدندنون حولها على أنها الحجة الدامغة التي تخرس كل مخالف، يتفننون في صورها تقليدا لبعض الفلاسفة القدماء، يقولون: الحوادث في الماضي لابد أن يكون لها – وجوديا – حادث أول، لأنه لو لم يكن لها أول، لما أمكن أن يقال إن الله قد أحدث زيدا بعد أن فرغ من إحداث زيود قبله عددهم كذا وكذا! فإذا امتنع العد والإحصاء معرفيا للحوادث الماضية، أو انتفى عنها ذلك المعنى (معنى المعدودية والانحصار) امتنع في الأعيان وقوعها بزعمهم، أو وقوع أي حادث يأتي في الترتيب الزماني بعدها أو على عقبها!
يجب من أجل أن يخلق الله زيدا، أن يكون قد خلق من قبله عددا قابلا للإحصاء والحصر من المخلوقات، مبدئيا، حتى يصح في عقولهم أن ينتهي إلى خلق زيد! وهذا في الحقيقة تصور تعتوره مغالطتان عقليتان قد بيناهما في كتاب المعيار وفي غيره من محاضرات هذه القناة المباركة. أما المغالطة الأولى فهي تصيير الامتناع العقلي لإحصاء الموجودات، مانعا من وجودها في الأعيان! وهذه المغالطة كما سنبين، قديمة قدم الفلسفة اليونانية نفسها، ومرجعها إلى مغالطة أعم، وهي المغالطة الثانية المشهورة، مغالطة تصيير الكليات الذهنية معينات في الخارج. فكأنما يقال هنا: بما أنه لا عدد (والعدد يكون مبدوءا بمعدود أول بالضرورة، إذ لا تصور لعملية العد نفسها إلا بأن يكون لها ابتداء) ولا انحصار للموجودات في الأذهان، فلا وجود في الأعيان! وهذا بين البطلان! فكأنما صار العدد صفة ذاتية للمعدود الوجودي، وليست صفة ذهنية كلية إضافية ينسبها الذهن إلى الموجود العيني! فعملية العد والإحصاء إنما هي عملية ذهنية محدودة منتهية بالضرورة، لابد لها من معدود أول بحيث يقال عنده، هذا هو أول ما أحصينا حين بدأنا الإحصاء. ويتصور أن يمضي المرؤ في إحصاء معدودات لا تزال تتكرر، بلا نهاية، فتكون العملية نفسها مبدوءة بمعدود أول، ومع هذا يكون اطرادها غير معلوم المنتهى! وهذا ما يعبر عنه الرياضيون بما يقال له خط الأعداد، يبدأ من نقطة صفر، فإذا أخذ المرؤ في عد الأعداد المتصور وقوعها على ذلك الخط في الجهة الموجبة أو السالبة، جاز أن يمضي في العد والإحصاء بلا نهاية ينتهي إليها. فالذي لا يتحصل في الحقيقة إنما هو نهاية تلك العملية غير المنتهية، عملية العد والإحصاء في الذهن، أي نسبة معنى العدد الكلي إلى موجودات معينة في الخارج، أو إلى مجودات اعتبارية متوهمة كما يصنعه الرياضيون. أما الموجودات العينية نفسها، خارج الذهن، هل تنتهي إن بدأنا عدها من معدود أول أو لا تنتهي، هذه قضية وجودية لا علاقة لها بضرورة ابتداء عملية العد نفسها في الأذهان من معدود أول! نعم أنت لا يتحصل لك المعدود الثاني حتى تفرغ من عد الأول قبله، ولا الخامس قبل الفراغ من عد الرابع، ولا الخمسون قبل الفراغ من المعدود التاسع والأربعين قبله، وهكذا ما شئت أن تمضي في العد والإحصاء، لكن هؤلاء غالطوا بأن علقوا وجود الموجودات في الخارج على جواز حصرها وإحصائها في الذهن! ولا ينتبهون إلى أن من لازم مذهبهم أن يحدوا جميع صفات الباري جل وعلا بأن تكون قابلة في علمه للحصر والإحصاء، كصفة العلم الإلهي التي زعموا أنهم يخالفون المعتزلة في حصرهم معناها في الكليات دون الجزئيات! فالأشاعرة يشهدون بأن معلومات الله الجزئية لا تتناهى ولا تنحصر، ومع هذا يجوزون وقوعها في علمه سبحانه وقيام ذلك العلم غير المنحصر أو المحدود بذاته العلية دون أن يلتزموا قول المخالف: أنتم بذلك تحكمون بالانتهاء والانحصار على ما لا يتناهى ولا ينحصر! فما بالهم يجوزون ذلك ويمنعون، مع هذا، من وقوع حوادث لا أول لها لأنه يقتضي انحصار ما لا ينحصر؟؟ هذا من تناقضهم ولا شك، وهو كثير لا يكاد ينحصر!!
ولهذا قلنا إن التسلسل الممتنع عقلا، إنما هو تسلسل العلل والأسباب، ومنه تسلسل المعدودات بلا معدود أول، لأنك قطعا لا تصل إلى المعدود العاشر قبل أن تكون قد بدأت بعد تسع معدودات قبله، فحصول المعدود اللاحق معلول بحصول المعدود السابق قطعا! ولكن هذا تعليل في عملية العد والإحصاء في الذهن، وليس في الأعيان! وإلا فمن ذا الذي قال إن الله تعالى يجب أن يكون لديه، في علمه، إحصاء لجميع ما أحدث وما خلق منذ الأزل، من أجل أن يجوز وقوع الفعل والإحداث منه في الأزل؟ هم يقيدون، من حيث لا يشعرون، علم الله الذي زعموا أنهم لا يقيدونه، تأسيسا على دعوى عقلية مغالطة يخلط فيها بين الوجود الذهني والوجود في الأعيان كما ترى. فالحق أن الله تعالى يعلم عدد كل ما يقبل العدّ والإحصاء، من قبل أن يخلقه سبحانه، ويعلم من ذاته العلية أعداد ما يقبل العد من صفات ذاته، كالأعين والأصابع. أما أن يقال هو يعلم عدد ما لا يعدّ، وحصر ما لا ينحصر، فهذا من وصفه بالمعنى ونقضيه معا ولا شك، وهو باطل. ونحن نؤمن بأنه سبحانه لم يزل موجودا، حيا، عليما، فاعلا متكلما من الأزل، أي بلا نقطة أولى لذلك الوجود ولتلك الصفات الذاتية في الماضي! وإذن فيمتنع أن يكون له مفعول أول لا مفعول قبله كما بينا، ويتعين أن تكون أفعاله وأقواله لا حصر لها ولا تدخل في معنى الحصر والإحصاء أصلا! ولكنه ولا شك يعلم نسبة أحد مفعولاته إلى غيره في الترتيب وفيما يجوز عده وإحصاؤه. فخلقه زيد، حصل في علمه بعد خلقه عمرو بكذا وكذا من أعداد المخلوقين والحوادث، ومن دورات الشمس التي يقاس بها الزمان، ونحو ذلك، هذا كله داخل في علمه سبحانه ولا إشكال.

تأمل كيف يقول القوم في تلبيس بارد: “كيف فرغ الرب من خلق ما لا نهاية له”، وكأنه يجب أن يكون لكل مخلوق عدد ذهني معين يلازمه في علم الله تعالى بالنسبة إلى جميع ما سبق منه خلقه في الأعيان، حتى يصح وجوده في الأعيان أصلا! وهذا ليس في العقل السوي ما يوجبه! وهو يشبه كما بينت في موضعه، مفارقة أو مغالطة زينون الإيلي القديمة، الذي قال ما معناه: كيف يتصور لهرقليس أن يصل إلى السلحفاة أصلا فضلا عن أن يسبقها، مع أنه في الحقيقة من أجل أن يصل إليها، فلابد أن يقطع مسافة تقبل التقسيم إلى ما لا نهاية لعدده ولا ينحصر من الأجزاء التخيلية التي يجوز في العقل تقسيم تلك المسافة إليها، بحيث كلما فرغ من جزء، قابله الذي يليه، ثم الذي يليه، وهكذا إلى ما لا نهاية لمرات وقوعه؟؟ فإذا كان لا يتصور له إمكان إحصاء تلك الأجزاء التي لا تنحصر، ومع هذا يجب عليه أن يفرغ من المرور بالأول حتى يمر بالثاني، ثم الثالث ثم الرابع، وهكذا، فإذن لا يتصور لحركته حصول في الأعيان أصلا!! فهذه المغالطة السخيفة استعملها بارمنيدس وزينون بالفعل من أجل أن يثبتا أن الحركة والانتقال ليست إلا وهما في أذهاننا! وهي نظير ما يستند إليه الأشاعرة هنا ولا شك. فالذي يمتنع في الحقيقة إنما هو الحصر والإحصاء الذهنيين لأجزاء متتابعة هذا تقديرها في الذهن، وليس وقوع الانتقال من موضع إلى موضع فعليا في الأعيان، ولا يلزم من امتناع الأول امتناع الثاني! هذا هو جواب تلك المغالطة لا جواب لها سواه! فليت شعري كيف يجيب عنها الأشاعرة وهم متلبسون بأصلها كما ترى!!
لذا فعندما يقول الأشعري، ما تسلسل لم يتحصل، فيجب أن نسأله ونطلب منه فك هذا الإجمال: ماذا تقصد بلم يتحصل؟؟ إن أردت لم يمكن عده وإحصاؤه، فنعم ولا شك، لأنه لا نهاية له، أو لا بداية له، فلا حصر لمثل هذا ولا عد له ولا إشكال، ولا يدخل العلم بعدده تحت القدرة الإلهية، لأنها لا تعلق لها بالمحالات! وأما إن أردت أنه لا يمكن حصوله أي وقوعه في الأعيان، فهذه هي المغالطة التي ذكرنا، وهي منشأ كثير من أغلاط الفلاسفة ومن لف لفهم وتعلق بأذيالهم!
فقول صاحب الشبهة:

خلق الله زيد (الاني)
2) وقد خلق (قبله) زيود لا حصر لهم فهم (لا) ينتهون الى زيد أول
3) اذن زيد الاني لم يخلق الا بعد ان (انتهى)الله من خلق زيود (لا ينتهون) فكيف اذن انتهى منهم وهم لا ينتهون؟!!!!!

هذا يقال في جوابه: هنا مقدمة خفية بيانها أن يقال: 2″) لا يجوز أن يخلق الله زيدا الآني، دون أن يكون خلقه إياه مسبوقا بخلق زيود منحصرة في علمه قبله! وهي مقدمة فاسدة وهي محل المغالطة التي بينا، وحقيقتها أنه لا يجوز له سبحانه أن يوصف بالفاعلية ما لم يكن في علمه إحصاء لعدد جميع ما سبق أن فعله من الأفعال من الأزل، بحيث يتعلل وقوع المعدود المتأخر من أفعاله بوقوع المعدود المتقدم! ومن ثم يصبح العدد صفة ذاتية للموجود الحادث المعدود، يتعلل حدوثه بقيامها به في الأعيان، في جملة ما يتعلل به من العلل والأسباب، بحيث إن عدمت العلة عدم المعلول! وهذا هو مكمن الغلط هنا فتأمل! فهم من مغالطتهم الخفية تلك، صيروا تسلسل الأعداد الذهنية تسلسلا للمعلولات الوجودية، ومن ثم منعوه! كيف نصل إلى العدد عشرة دون أن يوجد العدد واحد الذي بدأنا به العد؟؟ نقول لهذا: صحيح، صدقتم، ولكن الفرض أن هذه موجودات لا ابتداء لها في الماضي أصلا، واقعة عن موجود لا يحد وجوده حد في الماضي، فلا تدخل تحت معنى العد والإحصاء أصلا حتى يُمنع وقوعها بالتسلسل بلا أول، تأسيسا على أنه لا وقوع للمعدود المتأخر دون الفراغ من المعدود السابق عليه!
ابدأ عد الحوادث وإحصاءها من أيما حادث شئت، تصيره المعدود الأول ثم تعد من بعده ما شئت أن تعد، لا إشكال، وجميع ذلك بجميع ما يمكن تصوره من احتمالات للعد والإحصاء والحصر حاصل في علم الله سبحانه ولا إشكال. أما أن تقول إنه يجب أن تكون جميع الأفعال الإلهية (بهذا الإطلاق الميتافيزيقي الفاسد) محصورة في عدد معين، بمعدود أول لا فعل له قبله، حتى يصح للمتأخر منها الوقوع بعد الانتهاء من جميع ما سبقه، فهذه مغالطة، وفيها كذلك من تشبيه الأفعال الإلهية ما فيها!
فأنت (المخلوق) من يتعلل كل فعل تفعله بابتداء وجودك وابتداء اتصافك بالفاعلية بعد عدمه، فيجوز أن يقال في أفعالك إنك ما كنت لتفعل الفعل العاشر دون أن تكون قد فرغت من تسعة قبله! فلأن وجودك محدود محصور، فكذلك أفعالك بالضرورة. ولهذا جاز أن يقال في المخلوق إنه لا يجوز له أن يقول لمثله: لن أعطيك درهما إلا وقد أعطيتك درهما قبله! لماذا؟ لأن هذا مخلوق محصور وجوده في الزمان يخاطب نظيره في المحدودية والانحصار! فعملية الإعطاء المضروب بها المثل هنا لا يتصور في العقل أن تكون غير مبدوءة بأول في جهة الماضي! ولكن نحن نتكلم هنا عن رب العالمين سبحانه، الذي لا يزال موجودا بلا نقطة في الماضي بحيث يكون مسبوقا عندها بعدم نفسه سبحانه! ولم يزل كذلك موصوفا بالفاعلية وبكمال الصفات، وجوبا وضرورة! لم يبدأ ذلك فيه بعد أن لم يكن، ولم يكتسبه بعد عدمه! فلو قدرنا أن كان وجودي أزليا ووجودك أنت كذلك أزليا بلا بداية في الماضي، لجاز أن نتصور أن تظل عملية إعطاء الدراهم هذه تقع تكرارا، مرة بعد مرة، بلا أول! ولكن سبب إبطالنا إياها، هو أن وجودي ووجود من يعطيني محدودين في الماضي ضرورة، وكل فعل نفعله فإنما نشرع فيه بعد فراغنا من فعل قبله، مما جميعه يتسلسل على أثر فعل أول بالضرورة. فلو قلنا: لن أعطيك درهما حتى أكون قد أعطيتك درهما قبله، للزم تسلسل عملية الإعطاء بلا بداية، والحال أن لنا بداية ما في الماضي، فامتنع من هذه الجهة، من جهة أننا نجعل المتناهي غير متناه وهو تناقض، لا من جهة أن مبدأ عدم البداية في الماضي فاسد لا وقوع له كما يلبسون! ولازمه الذي ألزمته به المعتزلة والفلاسفة قديما، هو أن تكون ذات الله نفسها حادثة غير قديمة، أي مسبوقة بعدم وجودها في الماضي! لأن لحظات الزمان الماضي الذي يمتد عليه وجود الباري سبحانه، لابد لكل لحظة منها من لحظة متقدمة عليها حتى يجوز أن تتحصل اللحظة الآنية (على مذهبهم)، وإذن يلزم أن يكون ثمة لحظة أولى لوجوده في الماضي، لا وجود له قبلها! وهذا لازم لا انفكاك لهم منه إلا بالخروج من تلك القاعدة المجملة البائسة التي لم يزالوا يشغبون بها على أهل السنة، وكأنما خالفوا أصلا من أصول العقل التي لا تنخرم (وهي قولهم بامتناع حوادث لا أول لها)!! فكما بينا، فإن الذي أوقعهم في هذا وألزمهم به، إنما هو تأسيسهم اعتقادهم في الإلهيات على نظرية الجواهر والأعراض. ففي تصور النظرية، يكون تعريف الحادث أو حده الميتافيزيقي أنه ما ينشأ عن اكتساب الجواهر المخلوقة أعراضا تحدث بها الأجسام! فلا يقال للشيء إنه بدأ بعد أن لم يكن، أو وجد بعد عدمه، إلا بأن يكون ذلك عملية مخلوقة من تركب عنصري الوجود العيني المزعومين عند أصحاب النظرية (الجواهر والأعراض)! من هنا اضطروا إلى القول بحادث أول لا حادث قبله، حتى يكون ذلك طريقا لإلزام الفلاسفة القائلين بالنظرية بحدوث العالم، ومن ثم تأسيس برهان الحدوث الكلامي على ذلك لإثبات وجود من أحدثه بين أيدي الفلاسفة!! هذا ما لأجله صيروا قاعدة “امتناع حوادث لا أول لها” هذه، على هذا الإطلاق الميتافيزيقي الفاسد، قضية عقلية ضرورية، لا يخالفها أحد إلا ألزموه بالقول بقدم العالم! لماذا؟ لأنه لو قدرنا – على النظرية – عدم الحادث الأول، للزم أن تكون عملية تقلب الأعراض على الجواهر هذه لا ابتداء لها، وهو القول بقدم العالم!! من هنا ألزموا ابن تيمية رحمه الله بقدم العالم، لقوله بحوادث لا أول لها، مع أنه لا يقول بتلك النظرية الساقطة أصلا ولا يؤسس عليها شيئا من دينه البتة، والله المستعان!!
قوله: ” فاذا كان ما (قبل) زيد الاني زيود لا نهائيون فمتى (سيفرغ) الله من خلقهم لتصل النوبة لزيد الاني فيخلقه؟!!!!” قلت: متى هذه لا تطلق إلا بالنسبة إلى معدود معين في الزمان! فلو اخترنا أن نعد من ألف سنة في الماضي، فسنقول، يخلق زيدا بعد الفراغ من كذا وكذا مما خلقه في ألف سنة! وإن اخترنا أن نعد من قبل ذلك أو بعد ذلك، فمثله، ما شئنا! أما أن يقال بما أن قبل زيد الآني زيود لا نقدر على إحصائهم لامتناع دخولهم في معنى الإحصاء، وإذن يلزم ألا يخلق زيد أصلا لأنا لا نتصور عدا للنوبة التي عندها يحصل خلق زيد بالنسبة إلى جميع ما خلق الله في الماضي بإطلاق، فهذه مغالطة كما بينا، وهو من تشبيه الأفعال كما تقدم كذلك.

تأمل التلبيس في قوله: “فوجود زيد الاني (لازمه) ان الله (فرغ) من خلق ما (قبله) من الزيود وما قبله من الزيود (لا يفرغون) لأنهم لا نهائيون إذن كيف فرغ منهم وهم لا يفرغون ؟!!!!!!” قلت: ما الموصوف بأنه لا يفرغ هنا؟ الزيد المعين الذي يخلق زيد بعده؟؟ نعم هذا لو سلمنا بأنه لا يخلق غيره حتى يفرغ من خلقه، ثم لم يفرغ من ذلك فلا يخلق ما بعده! أما جملة الزيود التي لم يزل الله تعالى يخلقها (وجوديا) فهذه الفرض فيها أنها لا ابتداء لها أصلا ولا دخول لها تحت معنى العد والإحصاء والانتهاء، حتى يكون خلق الزيد الآني مشروطا بالفراغ منها والانتهاء من عدد معين منها!! فكأنما تشرطون على العاقل أن يقول بخلاف ما يقول من أجل أن يرى بطلان ما يقول، وهذه مصادرة باردة!!
فقوله: ” اذن القول بالتسلسل (يلزم) منه (انتهاء ما لا ينتهي) أو قل ان شئت (فراغ مالا يفرغ) وهذا اللازم باطل فملزومه وهو التسلسل باطل أيضا” قلت: بل أنتم من اعتقدتم أولا وجوب انتهاء الحوادث إلى حادث أول، للسبب الذي بينا، ثم أسستم عليه تشبيه الأفعال الإلهية بأفعال المخلوقين التي لابد فيها من مفعول أول، على طريقة الفلاسفة القدماء في ذلك، ثم رجعتم من ذلك بتعطيل الفاعلية في الأزل عن رب العالمين، تلزموننا بانتهاء ما لا ينتهي، والله المستعان لا رب سواه!

كتبه/ أبو الفداء ابن مسعود
غفر الله له وأصلح حاله.

منقول من قناة إقناع

قناة إقناع غير مسؤولة عن نقل منشوراتها إلى هذا الموقع ، إنما هو عمل فردي من إدارة موقعنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى