قضايا

تبسيط الفرق بين الشيوعية والرأسمالية

جواب موجر في الفرقان بين الشيوعية والرأسمالية وحكم الشرع في كل منهما

الحمد لله وحده، أما بعد، فقد سألني أحد الإخوة الأفاضل وفقه الله عن حكم الشرع بإيجاز في كل من الشيوعية والرأسمالية، فكتبت له هذا الجواب الموجز، ورأيت أن أنشره هنا لعموم الفائدة.
قلت:
أما مصطلح الشيوعية Communism، فيشار به إلى أنموذج الدولة الذي تشيع فيه الأملاك وأدوات الإنتاج والثروات شيوعا متساويا بين أفراد الأمة، وهذا مصادم بالضرورة لسنة الله تعالى في خلقه، وكل تكلف لتحقيقة هو مصادم بالضرورة لشريعته جل في علاه. كان ماركس يرى أن الدولة الشيوعية هي الحالة المثلى التي تصل إليها الدولة بعد تحقق أهداف الحركات العمالية والاشتراكية فيها. وقد دفع الغلاة من أتباعه إلى تحقيق هذه الدولة بالقوة والقهر، لما رأوا أنها لا تتحقق من عمل الاشتراكيين في البلاد كما كان يتصوره ماركس. فقالوا إنه يجب على الدولة أن تقبض بيديها على جميع أدوات الإنتاج في الأمة بالقوة، وأن هذا هو السبيل لتحقيق ما سماه ماركس بالعدالة الاجتماعية، وهي أن يصبح الناس سواء في انتشار الثروات فيما بينهم، فتنعدم إذن تلك الصورة التي تضخمت في أوروبا في أعقاب الثورة الصناعية حيث أصبحت ترى صاحب رأس المال يمتلك المصانع ويستعمل فيها العمال، فيعطيهم أجورا زهيدة، بينما تزداد ثروته هو من الأرباح التي يجنيها من بيع تلك المنتجات التي يتعب العمال في إنتاجها! صورة المفارقة بين صاحب المصنع والعامل في المصنع هذه هي التي ألهمت ماركس بهذا الاعتقاد أصالة! اعتقاد أن ملاك المصانع وأصحاب رؤوس الأموال هذه غاصبون لحقوق العمال بالضرورة، آكلون أموالهم بالباطل بالضرورة، لمجرد أنهم “امتلكوا” تلك المصانع، وتسلطوا على العمال فيها!! مع أن العامل في المصنع أجير، ينتج ما ينتج بأجر قد اتفق عليه مع صاحب رأس المال، فليس له حق في نفس المنتج الذي ينتجه إذ هو لا يملكه أصلا! لكن عند ماركس، هو مقهور مجبر على الاكتفاء بالأجر الذي يعطيه له صاحب رأس المال، ولو حاول أن يحسن حالته المالية والاجتماعية فلن يستطيع، لماذا؟ لأنه بزعم ماركس، يتآمر أصحاب رؤوس الأموال على المجتمع ليبقوا هؤلاء المقهورين في فقرهم وعوزهم، ويظل المال في أيديهم.
بناء على ذلك التصور، أسس ماركس عدة نظريات منها نظرية الحتمية المادية، وهي أن نمط تداول المال وانتشاره، هو السبب في جميع صور التعامل البشري في المجتمع، وهو الذي يعرف للناس علاقاتهم فيما بينهم، ويتسبب في كل شيء مما يظهر عليهم من الأقوال والأحوال، بما في ذلك الأخلاق والدين!! وكذلك نظرية الحتمية التاريخية، وهي أن هذا الظلم العام المزعوم في تسلط الناس على الأموال في الأمة، الناشئ كما مر من مجرد أن تصبح المصانع وأدوات الإنتاج ملكا خاصا، لابد حتما أن يفضي إلى غليان “المقهورين” هؤلاء على طبقة المالكين، أو البروليتاريا على البرجوازيين كما سماهما، في صراع طبقي لا مخرج منه إلا الثورة! ليس هذا وحسب، بل إن الثورة هذه دورة تاريخية لا تنكسر، إذ لابد بعد ثورة المقهورين هؤلاء على “قاهريهم” أن يصبح الثائرون هؤلاء قاهرين فيما بعد لمن دونهم، فيثور عليهم هؤلاء حتما، كما ثاروا هم من قبل على قاهريهم، وهكذا لا إلى نهاية. فالشيوعية مصطلح يشار به إلى معنيين، يشار به أحيانا إلى الدولة المثالية عند ماركس، وفي أحيان أخرى يشار به إلى النظرية السياسية أو الطريقة التي تتشدد الحكوميات فيها في محو “الفوارق الطبقية” بالقوة والبطش، فتأمم الأموال والأملاك، وتضع سقفا للثراء لا يتعداه، وتمنع الناس من امتلاك مؤسسات الإنتاج والمصانع وهذه الأشياء، بل وتصبح الدولة هي المتحكمة في انتشار الأرزاق في الأرض، رجاء تحقيق الصورة التي عبر عنها ماركس في كتابه “نقد برنامج جوتا”: “من كل بحسب قدرته، إلى كل بحسب حاجته”. الدولة هي التي تستنتج الناس وتستعملهم جميعا، كل منهم بحسب قدراته، وما ينتج عنهم، فهي توزعه فيما بينهم، كل منهم بحسب حاجته!!
From each according to his ability, to each according to his needs
وهذا تسلط على الخلق وعلى الأرزاق شديد المصادمة لسنة الله الكونية ولشريعته جل في علاه، ولهذا لا تراه يقوم إلا على يدي رجل ملحد لا يرفع بالدين رأسا، لأن الدين عند ماركس كان هو أفيونة الشعوب التي يبتدعها البرجوازيون ويخترعونها اختراعا من أجل أن يلهوا المقهورين تحتهم عن هذا القهر الذي هم فيه، ويرغبوهم إن صبروا، في نعيم أخروي لا حقيقة له!!
فهذا هو الموقف من الشيوعية بإيجاز شديد.
وأما ما يقال له الرأسمالية، بارك الله فيك، فهذا الاصطلاح مجمل في الحقيقة، وقد استعمله بعض الناس وهم يشيرون به إلى تلك الدول التي تمنح الحرية المطلقة لأصحاب الأموال والأملاك، ولا تتدخل في الأسواق بأي شكل كان، وهذه الصورة مخالفة للشرع، لأن الإمام يجب عليه شرعا أن يتدخل في الأسواق أحيانا لضبطها بما جاء به الشرع من الضوابط، ولمنع وقوع الاحتكار. وبعض الناس يشيرون به إلى النظم الاقتصادية المبنية على ربا البنوك، وهذه بلية قد عمت في البلاد اليوم حتى لا تكاد تسلم منها دولة من الدول، ولم يعد من الممكن انتزاع الحكومات الإسلامية من هذا البلاء، إلا أن يشاء رب الأرض والسماء.
أما إن كان المراد بالرأسمالية أن يصبح الإنسان مسلطا على ماله، مفوضا أن ينتج به ما يشاء، مما هو مباح شرعا، وأن يعظم من ثرائه بأن يقتني ما يسميه ماركس بوسائل الإنتاج أو أدوات الإنتاج من المصانع وما شاكلها، وهذا هو الاستعمال الأشهر لهذا المصطلح في كتب العلوم السياسية، فهذا ما كفله الإسلام للفرد المسلم في بلاد المسلمين، ولم يأذن لولي الأمر بأن يضع له سقفا أو يمنع منه الناس بأيما وجه كان، والله أعلم وأعلم

منقول من قناة إقناع

قناة إقناع غير مسؤولة عن نقل منشوراتها إلى هذا الموقع ، إنما هو عمل فردي من إدارة موقعنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى