قضايا

قناع الإنسانية البشوش..

 

 

طغيان الثقافة الغالبة على العقل العربي ظاهرة بجلاء في كثير من الأوساط الفكرية والسياسية، ترى فيها هجرة ولجوء روحي شامل، أجسادٌ أمامك وأرواحٌ تقبع في مخيمات أوروبا!

 

ويظهر ذلك واضحًا لكل من بأمثالهم خبير، بين السطور، وفي لحن القول، تزلف للغرب وغرق في وجهة نظره للأمور، والغرب عندهم بيده كل شيء، ويدبر الأمر!

 

لا يمكن للمحارب أن ينتصر حين يخسر نفسه!، وفي هذه الخاصرة يطعن الغرب، الغزو الفكري، إن مواقفنا ومشاعرنا ونظرتنا للأمور، بل وللعالم كله مبنية على ما نعتقد وعلى نظامنا الفكري الشامل، فالغزو الفكري هو ضرب في أعمق جذر من جذور الأمة

وكثير من الآيات تشهد على ما أقول:

“أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ” النور:40

نستغرب كثيرًا ممن يستعصي عليهم الانتباه للحق وهو واضح جلي أمام أعينهم، وسقوطهم في قضايا واضحة جلية، والسبب في ذلك هو التشوه الفكري، تشوه الآلة الفكرية نفسها التي تعالج تلك المعطيات.

العقل سليم، لكن نفس العاقل تشوهت، أصبحت تميل لأهواء شخصية، تكبت الحكم الصحيح، تميل لتقليد الثقافة الغالبة في هذه الحالة (عقدة الرجل الأبيض”الغربي”)

“إن عقول الأصحاء تتفق في خلق الله لها، ولكنه جعل الاختلاف في نفوسهم وميولها ورغباتها” – كتاب الفصل بين العقل والنفس

 

ودخولًا في صلب الموضوع وبعد أن أعطينا مقدمة تعطي خلفية بسيطة عن ما نرنو قوله، إن تحويل قضية فلسطين لقضية إنسانية مجردة عن الدين ليس أمرًا عفويًا بل مبني على سياسة نفعية ترى تلبيس القضية قناع الإنسانية المجردة بعيدًا عن الدين بغض النظر عن صحة ذلك من عدمه مطلبًا مشروعًا “سياسيًا” للحصول على الدعم الغربي والخروج من دائرة “الإسلاموفوبيا”، والمشكلة هي أن التاريخ السياسي يخبرنا بأن الغرب نفسه هو أكبر الداعمين لإسرائيل مع كونه يجري الدراسات الاجتماعية والاستخباراتية على واقعنا العربي ويفهمنا أكثر من فهمنا لأنفسنا!، فهل يحتاج أن نخبره شيئًا جديدًا حتى يتعاطف معنا!

 

وهنا قد يقال، نحن نعلم ان نية الحكومات الغربية ليست سليمة تجاه القضية الفلسطينية، لكننا نريد توعية الشعوب الغربية حتى يكون في ذلك ضغطًا سياسيًا على الحكومات، ولا شك ان هذا المطلب صحيح، ولكن هذا المطلب إلى أي حد يفيد؟ إلى حد إيقاف آحاد الهجمات الإسرائيلية فقط، يكفي لحدوث هدنة مؤقتة كما رأينا، وليس أكثر من ذلك

.

ومن قصر النظر أن تحسب أن الضغط الشعبي قد يصل لأن تأتي أحد الدول الأوروبية القوية لتفرض على إسرائيل مغادرة الأرضي الفلسطينية فورًا ومن ثم تنصاع إسرائيل لهذا الطلب سياسيًا وسلمًيا وتسحب شعبها وتخرج!

هذا المطلب لا يقوم عليه سوى أهل القضية نفسها، والقضية تتنفس بقيمتها فإن حرمتها منها تموت، والقيم في النّفوس، وقضية فلسطين يجب ان تكون قيمة عليا عند أصحابها من المسلمين، نعم هي أرض إسلامية امتلاكًا تاريخيًا وحقٌ إلهي مشروع، قضية تجتمع كل الأمة على تقديمها على سائر القضايا.

 

لا تظن أبدًا أن أي سياسة أو هندسة اجتماعية أو دعاية إعلامية ضخمة قد تجعل من قضية فلسطين في النفوس الغربية قضية عليا ولو كانت إنسانية، فأنت عندهم تطرح القضية للتعاطف الشخصي المحض والمزاد العلني! وقد تغلبها بعض المجاعات التي تقتل الملايين أحيانًا، فإذا نزعت القدسية من قضية فلسطين وساويت بين المسلم وغيره في التعاطي معها فأنت خسرت الاثنين، خسرت الأمل في الجهاد! في التغيير على أرض الواقع! الحل الوحيد لطرد إسرائيل من الأرض!

هو ليس على الطاولة، بل في ساحات المعارك، وهذا معروف لنا ولهم، وهم لن يضحوا بدمائهم لأجل قضيتنا.

 

أمامك مليار ونص أو أكثر لتوعيهم بأهمية هذه القضية وحكمها في الإسلام وضرورة الانتصار لها فلا تخسرهم لأجل الظهور بوجه بشوش أمام العم سام وأمثاله..

 

فليس المعيار بكيف يراك العدو، بل المعيار بكيف يجب أن يراك، هل يراك تنسلخ عن دينك وقيمك وتتزلف له أم تتمسك به وتتكاتف مع المليارات من إخوانك

 

ويرى فيك قول الرسول صلى الله عليه وسلم الذي غير وجه الأرض بحديث “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”

 

يرى أمة بلال وهي تصرخ في وجههم “أحد أحد” أم يرى فينا أمة مسخ، رجل قش غربي، تبكي عند سجانها وجلادها حتى يساعدها!

 

الجواب لك..

 

تذكر أنك إن كنت تريد تحريك الإنسانية في شعوبهم التي قبلت أن تحتل حكوماتها بلادك الإسلامية (كالعراق وافغان ستان وغيرهم) وإقامة الحروب الصليبية عليها كما قال جورج بوش

تذكر حينها أن الإنسان صاحب الخلق هو من ينصر القضية الأخلاقية بغض النظر عن كون صاحبها مسلم، أو غيره، أو عربي أو غيره، إلا إن كان عنصريًا مقيتًا..

 

#الغيث_الشامي

الغيث الشامي (أبو عبادة)

أبو عبادة، أثري، دمشقي، شغوف بعلوم الاعتقاد، مهتم بنقد الفلسفات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى