قضايا

موقف ابن تيمية من الفلسفة – حتى لا يشيع الخطل (١)

موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الفلسفة

إلى إخواننا الماديين:
إن التفلسف لا يكون إلا مثاليًا، والمادي المتسق مع نفسه لا يكون متفلسفًا !
لأن التفلسف يفترض إبتداءً حالة مثالية يبدأ العقل منها النظر، وهي حالة متحررة من كل قيد فيما نسميه نحن الفطرة والطبع أو أن تكون تصورات العقل تابعة للوجود الخارجي. فأول شيء يبدأ به الفيلسوف نظره هو حده للعقل نفسه، وحصر مبادئه التي لا تقبل الشك عندهم، وكل فيلسوف وهواه في عدد هذه المبادئ. ثم يقيس على نفسه كل عقول الناس بأنها لا تحصل العلم اليقيني الا بتلك الطريقة التي أسسها هو في نفسه، وأن كل معرفة من غير هذه الطريق فهي وهما وخيالا.
ثم يفعلون نفس الأمر مع الموجودات التي في عادتنا، فيأخذون كيفية الموجود في العادة، ويجعلونها هي عين حقيقته ومعناه، فلا يكون ذلك المعنى إلا على تلك الكيفية في مطلق الزمان والمكان. وهذه هي طريقة الجهمية، وهي التي ذمها السلف.
وهو عين ما وقع فيه بعض الماديين، لما حصروا المادة في كيفيتها الذرية أو في كيفيتها الفيزيائية الميكانيكية، وقالوا كل شيء في الوجود هو على هذه الكيفية بإطلاق.
وقد شنع عليهم من آتى من بعدهم من الماديين، بأن هذا اطلاق مثالي، فهو خلط ما في الأذهان ( العلم بكيفية واحدة من كيفيات المادة) بما في الأعيان ( جعلها هي حقيقة المادة نفسها، ولا تكون مادة في مطلق الزمان والمكان الا على هذه الكيفية التي نعرفها).
ولا يتفلسف متفلسف الا وهو متلبس بهذه المغالطة وهذه السفسطة المثالية، التي تجعل الوجود تابع لتصوراتنا عنه لا العكس.
ولأن الفلسفة كما عرفها قدمائهم ومتأخريهم، هي السعي إلى معرفة ” حقيقة الأشياء “. هذه الحقيقة التي ما هي إلا كيفية واحدة من كيفيات الشيء التي نعرفها في عادتنا، فيجعلون كيفيته -في شروط وظروف معينة- هي عين حقيقته وماهيته الثابتة في مطلق الزمان والمكان.
ومرة أخرى هذا عين ما ذمه السلف وتابعهم عليه شيخ الإسلام إبن تيمية رحمه الله، ولا ينكر هذا إلا مكابر.
إذ قالوا عن الجهمية أنهم “شبهوا ثم عطلوا. “
فهم شبهوا بأن جعلوا كيفية الصفة في الإنسان هي حقيقة الصفة نفسها، فقالوا إذا اتصف الله بهذه الصفة فهي على هذه الكيفية ( فشبهوا) .
ثم قالوا والله منزه عن مشابهة مخلوقاته فنفوا عنه الصفة بالكلية ( فعطلوا).
ومعلوم ما في هذه الطريقة من فساد للعقل وللنقل.
أما النصوص التي تتمسكون بها في إثبات أن إبن تيمية تفلسف، أو أنه صحح أصل التفلسف. فسنأتي على تفصيلها واحدًا واحدًا في قادم الأيام.

محسن بوعكاز

طالب فلسفة وعلم شرعي، مهتم بالعقيدة والقضايا الفلسفية والفكرية المعاصرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى